“ترند جيميني”.. بين الحنين والابتكار ومخاوف الاستغلال

الثورة – سمر حمامة:

في زمن تتحكم فيه التكنولوجيا بحياتنا اليومية، لم تعد المنصات الاجتماعية مجرد وسيلة للتسلية أو التواصل، بل تحولت إلى مساحة تعكس أعمق مشاعر الإنسان واحتياجاته، وخلال الأسابيع الأخيرة، اجتاح العالم الرقمي “ترند جيميني”، الذي يقوم على استخدام الذكاء الاصطناعي لدمج صور حديثة مع صور قديمة، ليظهر الشخص وكأنه يحتضن نفسه في طفولته، أو يلتقي بشخص عزيز عليه فقده منذ زمن. وفيما تفاعل ملايين الأشخاص مع هذه الظاهرة بحماسة كبيرة، وتحوّلت صورهم إلى لقطات مؤثرة تنشر الفرح والحنين، ارتفعت أصوات أخرى محذرة من خطورتها، سواء على المستوى النفسي أو على صعيد استغلال التقنية بطرق غير سليمة. وهكذا، انقسم الناس منذ البداية بين مؤيدين وجدوا في التجربة لمسة إنسانية عميقة، ومعارضين اعتبروها تجاوزاً للواقع ومحاولة مفتعلة لإحياء ذكريات قديمة بطرق قد تكون مؤلمة.

بين الترحيب والتحفّظ

“ترند جيميني” يعتمد على الذكاء الاصطناعي الذي يحلل صورة قديمة، ثم يدمجها مع صورة جديدة للشخص أو لشخص آخر يختاره المستخدم، النتيجة النهائية صورة واقعية بشكل مذهل تظهر مشهداً غير ممكن في الحقيقة: لقاء بين الماضي والحاضر.قد تكون النتيجة عناقاً بين الفرد ونسخته الطفولية، أو صورة تجمعه مع والديه وهما في سن الشباب، أو حتى مشهد مؤثر لشخص رحل عن الحياة. وبفضل هذه التقنية، تجاوز عدد الصور المعدّلة حول العالم ٥٠٠ مليون صورة خلال أيام قليلة فقط.المؤيدون اعتبروا الترند فرصة ذهبية لاسترجاع الذكريات ولمّ شمل افتراضي مع الأحبة. بعضهم وصف التجربة بأنها مؤثرة لدرجة أنهم ذرفوا الدموع أمام صور صنعتها التقنية.

المعارضون رأوا أن الذكاء الاصطناعي بلغ مرحلة خطيرة، لأنه أصبح قادراً على محاكاة المشاعر الإنسانية بشكل مبالغ فيه، وقد يُستخدم في تزوير الحقائق أو تحريك العواطف بشكل غير أخلاقي. وهناك فئة ثالثة حيادية تعاملت مع الفكرة على أنها مجرد موجة للترفيه والتجريب الرقمي، لا أكثر ولا أقل. روان: “توفي والدي منذ عدة سنوات، ويوم تخرجي من الجامعة تمنيت لو كان موجوداً يشاركني هذه الفرحة، وعن طريق هذا التطبيق تمكنت من الظهور معه وأنا بلباس التخرج وكأنه كان معي، إنه شيء جميل منحني دفعة أمل وسعادة كبيرة.”رامي: “استخدمت الترند مع صورة قديمة تجمعني بجدتي الراحلة، المشهد كان مؤثراً جداً وأعاد لي دفء الذكريات، لكنه في الوقت نفسه أيقظ ألم الفقد وكأنني فتحت جرحاً لم يلتئم” سارة: “أعتقد أن الفكرة لطيفة عندما تكون شخصية وخاصة، لكنها قد تتحول إلى أداة خطيرة لو جرى استغلالها في تزوير الحقائق أو تحريك مشاعر الناس بطريقة غير نزيهة” علي: “هذا الترند جعلني أفكر فلسفياً.. هل نحن مستعدون لمواجهة نسخة افتراضية من أشخاص فقدناهم؟ بالنسبة لي، أراه سلاحاً ذا حدين، يمنح لحظات دافئة لكنه قد يعلقنا بالوهم”.

يرى الدكتور مروان العلي، الباحث في علم النفس، أن “ترند جيميني” يعكس حاجة إنسانية عميقة للحنين، لكنه في الوقت نفسه يطرح تحديات نفسية وأخلاقية، ويقول: “الصور التي ينتجها الذكاء الاصطناعي قادرة على تحريك مشاعر قوية للغاية، لكنها قد تترك أثراً سلبياً عند الأشخاص الذين يعانون من فقدان أو حرمان عاطفي، وفي حال الاستخدام غير الواعي، قد تتحول هذه التجربة إلى عبء نفسي بدل أن تكون متنفساً، كما أن إمكانية استغلال الصور المعدلة في مجالات إعلامية أو سياسية يثير تساؤلات خطيرة حول أخلاقيات التقنية.”الظاهرة أيضاً تفتح نقاشاً ثقافياً أوسع: هل نحن مستعدون للتسليم أن الذكاء الاصطناعي سيصبح جزءاً من ذاكرتنا الجماعية؟ وهل يمكن للفرد أن يثق بمشاعره وهو يعلم أن الصورة التي بين يديه من نسج خوارزميات؟.

يبقى “ترند جيميني” أكثر من مجرد موضة رقمية؛ إنه مرآة تعكس هشاشة الإنسان أمام ذكرياته وحنينه العاطفي.. وبين دموع الفرح ومخاوف الوهم، تتجلى حقيقة أساسية: الذكاء الاصطناعي ليس خيراً مطلقاً ولا شراً مطلقاً، بل أداة تتوقف قيمتها على طريقة استخدامها، فإذا استُخدم بحذر ووعي، قد يكون جسراً يربطنا بماضينا ويمنحنا لحظات دافئة، أما إذا تُرك بلا ضوابط، فقد يتحول إلى أداة تستغل العواطف وتشوّه الذكريات، وهنا يظل التحدي الأكبر في كيفية موازنة التطور التكنولوجي مع القيم الإنسانية التي تمنح لحياتنا معناها الحقيقي.

آخر الأخبار
"أمازون": هجمات سيبرانية إيرانية تمهد لعمليات عسكرية مباشرة نقص حادّ بخدمات البنية التحتية في "بابا عمرو" بحمص  "نقل اللاذقية".. جودة بالخدمات وسرعة في إنجاز المعاملات  بمشاركة وفد أردني و233 شركة محلية ودولية.. انطلاق معرض "سيريا هايتك"  بعد جولته في الجنوب السوري.. نتنياهو يتحدث عن الاتفاق الأمني على منصة "أبو علي إكسبرس"  سوريا تعيد تنشيط بعثتها الدائمة بمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية وتعيّن مندوباً دائماً  تخريج  نحو 500 طالب وطالبة طب أسنان وصيدلة في جامعة حمص  مدير تربية حلب يعد معلمي مناطق الشمال بدعم مطالبهم إدانات سعودية وكويتية لانتهاك سيادة سوريا.. واستفزاز إسرائيلي جديد في جنوب البلاد  الجولان السوري أرض محتلة.. الولاية فيه للقانون الدولي والشرعية حصرية لسوريا    الرئيس الشرع يستقبل طارق متري لمناقشة قضايا سيادية  ذراع "الكبتاغون" بين سوريا ولبنان.. نوح زعيتر في قبضة الجيش اللبناني أول رسالة عبر "سويفت".. سوريا تعود إلى النظام المالي الدولي    قاضية أميركية توقف قرار إدارة ترمب إنهاء الحماية المؤقتة للسوريين دمشق تستقبل طارق متري لمناقشة قضايا سيادية وزير العدل يعزز التعاون القضائي مع فرنسا  السودان يثمّن دور السعودية وأميركا في دفع مسيرة السلام والتفاوض توليد الكهرباء بين طاقة الرياح والألواح الشمسية القطاع المصرفي.. تحديات وآفاق إعادة الإعمار الخارجية توقع مذكرة تعاون مع الأمم المتحدة لتعزيز قدرات المعهد الدبلوماسي