الثورة – زهور رمضان:
بين أزقة محافظة اللاذقية، وعلى أحد الأرصفة العامة يجلس هذا الرجل المسن يومياً، حاملاً بين يديه عدداً من باقات البقدونس، والنعناع، والجرجير.. وغيرها، ليبيعها ويصرف على أبنائه، ويستر ماء وجه عياله وأطفاله.
لم تكن التجارة يوماً من الأيام مهنة معيبة، بل العمل شرف وطهارة، لكن الشيء اللافت في هذه القصة، وما يُميز هذا التاجر البسيط ليس بضاعته المتواضعة، بل قلبه الكبير وروحه النقية التي أطاحت بقسوة الحياة و أوجاعها فقد ظهر هذا الرجل في فيديو قصير عرض على وسائل التواصل الاجتماعي وثّقه صانع المحتوى السوري “يزن فويتي”، ولم يكن عدد المعجبين بصانع المحتوى هو الذي ساهم في سرعة انتشار المقطع على منصات التواصل الاجتماعي، بل بساطة هذا الرجل وعفويته عندما تقدم منه صانع المحتوى مستفسراً عما يتاجر به ذلك الرجل الطيب، وعندما أجابه: إنه يبيع البقدونس، ما كان من صانع المحتوى إلا أن قال له متصنعاً: “بس أنا ما معي مصاري”، فيما كان جواب الرجل لافتاً عندما حاول البائع أن يعطي فويتي باقات البقدونس مجاناً، وقال له بكل عفوية: “حتى إذا ما معك مصاري أنا ما بدي مصاري”.
إنسانية وعفوية
إن هذا التصرف العفوي من البائع لا يدل على عفويته فقط بل على كمية الكرم الممزوجة بأخلاقه الطيبة فاتحاً باب العطاء على مصراعيه ليُلهم ملايين الأشخاص، ويعيد لهم الأمل أن الإنسانية لم تنته بعد، وليذكّر البعض بصورة سوريا الحقيقية التي تنبض بالخير والعطاء والمحبة.
وقد يتبادر لذهن أحدهم أن ما يقدمه الرجل لا يتعدى كونه سعر عدة باقات بقدونس، لكن الأمر ليس هنا، بل في استجابة الرجل وتجاوبه مع الموضوع بسرعة مذهلة، ما يدل على بديهة حاضرة وذهن منفتح على مشكلات الحياة، لربما كان صانع المحتوى لا يملك ثمن البقدونس على الحقيقة، ولربما هو محتاج فعلاً.. وهنا لا تكون العطية بثمنها بل بقيمتها كبيرة.. هو ليس بائعاً عادياً، بل أيقونة في الكرم، ورمز لأخلاق نادرة لا تباع ولا تشترى.