الثورة – رولا عيسى:
تشهد سوريا اليوم مفترق طرق اقتصادياً، بعدما أنهكتها سنوات الفساد والحروب وسقوط النظام البائد.
وبين تحديات الداخل وتقلبات الخارج، يطلّ الاستثمار كفرصة ثمينة، وربما كخيار وحيد لإعادة بناء اقتصاد متهالك يحتاج إلى جرعة ثقة وجرأة في آن معاً.
اليوم، ومع انفتاح سياسي واقتصادي متدرج، تعود قطاعات السياحة، الصناعة، الزراعة والطاقة إلى الواجهة كركائز محتملة لإعادة الإعمار.
لكن السؤال: هل تكفي النوايا والاتفاقيات لإنعاش بيئة استثمارية ما زالت تبحث عن قواعد راسخة؟

قوانين قيد التعديل
مدير الشركات في وزارة الاقتصاد محمد ناعسة، يربط التفاؤل بزيادة الشركات المسجلة مؤخراً، معتبراً أنها مؤشر على التسهيلات الممنوحة، ويكشف في حديثه لـ”الثورة” عن تعديلات مرتقبة لقوانين الشركات والتجارة وغرف التجارة، إضافة إلى حوافز ضريبية تستهدف دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وبرأيه، هذا التوجه قادر على خلق منافسة صحية وتحريك الاقتصاد.
مرحلة اكتشاف الفرص
من جانبه، يصف مدير غرفة تجارة دمشق الدكتور عامر خربوطلي، الوضع الحالي بأنه “مرحلة استكشاف”، فالبلاد غنية بالفرص، من مشاريع الطاقة المتجددة إلى البنى التحتية المدمّرة، وبحسب خربوطلي، كلها تحتاج لرؤوس أموال، مشدداً على أهمية وضع خارطة استثمارية واضحة، تضمن توجيه الموارد نحو القطاعات الإنتاجية لا العقارية فقط، مع توزيع عادل للعوائد.
ويقدّر أن سوريا بحاجة لاستثمارات تعادل 34 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لتحقيق نمو طموح، رغم أن الفجوة مع اقتصاد 2010 ما زالت هائلة.
في مدينة عدرا الصناعية، يقرأ مديرها سامر السماعيل المشهد بتفاؤل حذر، فالمدينة- بما تملكه من بنية تحتية متطورة- تجذب اهتماماً متزايداً من مستثمرين عرب ومحليين.
ويشير إلى أن نظام الاستثمار الجديد يقدم ضمانات قانونية، مرونة في تحويل الأرباح، وتبسيطاً للإجراءات عبر النافذة الواحدة، إلى جانب حوافز ضريبية وجمركية، لكنه يؤكد أن نجاح هذه المنظومة مرتبط بشراكة فعلية بين القطاعين العام والخاص.
الطريق الطويل للاستثمارات
أما الخبير المالي عامر شهدا، فاعتبر أن الاستثمارات “ما زالت حبراً على ورق”، فالعقود الموقعة لم تتحول إلى مشاريع فعلية بعد، بسبب مشكلات السيولة، ضعف النظام المصرفي، وغياب الثقة، مشدداً على أن أي قرار استثماري يتطلب بيئة قانونية عادلة، شفافية مالية، ونظاماً مصرفياً مندمجاً مع العالم.
الأمن والاستقرار السياسي- بنظره- هما حجر الأساس، فالقوانين مهما كانت متطورة تبقى “حبراً على ورق” من دون أرضية سياسية مستقرة تضمن جدوى الاستثمار واستدامته.
أمين سر غرفة صناعة حمص عصام تيزيني، يرى في قانون الاستثمار الحالي “جائزة اقتصادية” جذبت استثمارات عربية وأجنبية ضخمة، لكنه ينبه إلى أن القانون وحده غير كافٍ، فالتشريعات الأخرى من قوانين الضرائب إلى قوانين العمل والطاقة تحتاج إلى تحديث يواكب المتغيرات، وإلا فإن جاذبية الاستثمار ستظل محدودة أمام عراقيل الواقع.
ما بين التحديات والفرص
إذاً المشهد الاستثماري السوري يتأرجح بين الأمل والحذر من جهة، واتفاقيات ضخمة وقوانين جديدة ومحاولات جادة لإحياء القطاع الخاص، ومن جهة أخرى، تحديات قاسية سواء تضخم، بطالة، ضعف الثقة بالقطاع المصرفي، ومواقف سياسية خارجية غير مستقرة، وفقاً لتيزيني.
ويتابع: الفرص موجودة وربما تاريخية، لكن تحويلها إلى واقع يتطلب أكثر من توقيع مذكرات تفاهم.
أخيراً.. المطلوب منظومة متكاملة: إصلاح تشريعي ومالي، استقرار أمني وسياسي، وشفافية حقيقية، عندها فقط يمكن أن تتحول سوريا إلى وجهة استثمارية واعدة، لا مجرد عنوان على الورق.