الثورة – بتول أحمد:
تعد ألعاب المراهنات الإلكترونية واحدة من أخطر الظواهر التي اجتاحت شريحة واسعة من الشباب في السنوات الأخيرة، ففي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، أصبح العديد من الشبان يراهنون على ألعاب مثل “الايشانسي”، و”ببجي” في محاولة للهروب من الواقع، ليجدوا أنفسهم أسرى في دوامة من الخسائر المالية والإدمان النفسي.
بين التسلية والإدمان
تنتشر ألعاب المراهنات الإلكترونية بشكل كبير بين الشباب السوري، خاصة عبر منصات الانترنت ومن خلال التطبيقات الشهيرة التي تسمح للمستخدمين بالمراهنة على نتائج المباريات الرياضية أو المسابقات الافتراضية.
في البداية، قد يراها البعض وسيلة ترفيهية، لكن مع مرور الوقت تصبح هذه الألعاب مصدراً للإدمان المالي والنفسي.
يُعتبر “الايشانسي” من أكثر التطبيقات التي يستقطب إليها الشباب، يوفر التطبيق فرصاً للمراهنة على المباريات الرياضية ومجموعة من الألعاب الأخرى، ما يجعل من الصعب على المستخدمين مقاومة الإغراءات المادية التي تعدهم بالربح السريع.
يتعرض العديد من الشباب لخسائر مالية ضخمة نتيجة لإدمانهم على هذه الألعاب، ويعتقد الكثيرون في البداية أنهم قادرون على تحقيق الربح بسهولة، لكن مع مرور الوقت يجدون أنفسهم غارقين في الديون ومجالاً متزايداً من الخسائر، فكل خسارة تشجعهم على زيادة المراهنات في محاولة لتعويض ما فاتهم.
سامي (22 عاماً)، أحد الشباب الذين وقعوا في فخ المراهنات الإلكترونية، يقول: “كنت أعتقد أنني قادر على كسب المال بسهولة عبر المراهنات، في البداية كنت أراهن بمبالغ صغيرة، ولكن مع مرور الوقت بدأت أضاعف المبالغ والخسائر تزايدت حتى وصلت إلى حد لم أستطع فيه تحمل العواقب.
خسرت كل مدخراتي، وكنت مضطراً للاستدانة من أصدقائي وأقاربي، لكنني لم أتمكن من تعويض خسائري.
“الإدمان على هذه الألعاب لا يقتصر على الجانب المالي فحسب، بل يمتد أيضاً إلى التأثيرات النفسية، الشباب الذين يقعوا في فخ المراهنات يشعرون بتوتر دائم، ويعيشون في حالة من القلق العميق بسبب الخوف من خسارة المزيد، هذا الإدمان يؤثر على حياتهم اليومية، إذ يبتعدون عن الدراسة أو العمل ويتجنبون التفاعل مع الأصدقاء والعائلة.
القانون والمراقبة
الاختصاصي في الطب النفسي الدكتور سامر عبد الله، يقول لـ”الثورة”: “الإدمان على المراهنات الإلكترونية يعكس اضطراباً في التعامل مع التوتر والضغوط النفسية، فالشباب الذين يعتقدون أن الربح السريع هو الحل لمشكلاتهم المالية يعيشون في حالة مستمرة من القلق والإحباط، وهذا النوع من الإدمان يمكن أن يفاقم حالات الاكتئاب، ويؤدي إلى عزلة اجتماعية وتدهور العلاقات الشخصية”.
من الناحية القانونية، تُعتبر المراهنات الإلكترونية في سوريا ظاهرة غير منظمة، ولا يوجد إطار تشريعي واضح يحدد كيفية التعامل مع هذه الألعاب، وعلى الرغم من أن الدولة لم تضع قوانين صارمة لتنظيم هذه الألعاب، إلا أن هناك محاولات للتوعية حول مخاطرها.
ويرى المحامي محمد حسين أن الوضع بحاجة إلى تدخل حكومي، وأنه من المهم أن تضع الحكومة قوانين تحظر أو تنظم هذه الألعاب على الانترنت، لأن هذه الظاهرة تتزايد بسرعة، ولها تأثيرات سلبية على جيل كامل من الشباب، ولا بد من حماية الشباب من الوقوع في هذا الفخ، وتحقيق نوع من الرقابة على التطبيقات التي تروج لهذه الألعاب.
كيف ينظر المجتمع لهذه الظاهرة؟
تتفاوت آراء المجتمع السوري تجاه المراهنات الإلكترونية، إذ يرى البعض أنها مجرد وسيلة ترفيهية وتسلية، خاصة بين فئة الشباب الذين يبحثون عن الربح السريع، فيما يعتبر آخرون أن هذه الألعاب تحمل خطراً كبيراً على الصعيدين النفسي والمالي، تؤدي إلى الإدمان والعزلة الاجتماعية، كما ترى بعض الآراء أن هذه الألعاب محرمة شرعاً، كونها تقوم على المقامرة التي تُعتبر محظورة في الإسلام، ما يضيف بُعداً دينياً في رفض هذه الظاهرة، هذه الانقسامات تبرز التحديات المجتمعية المرتبطة بانتشار المراهنات الإلكترونية وتأثيرها على جيل كامل من الشباب. أحمد، موظف في القطاع الخاص (26 عاماً)، يقول: “في البداية كان الكثير من أصدقائي يراهنون على الألعاب، ورأيتهم يحظون بالكثير من المرح. لكن مع مرور الوقت، بدؤوا يختفون من حياتي ويقل تواصلهم، في النهاية اكتشفت أنهم كانوا غارقين في الخسائر، وأصبحوا عُرضة للاكتئاب والقلق.
“نحو مستقبل أكثر أماناً
لحماية الشباب من هذه الآفة، يجب زيادة الوعي المجتمعي حول مخاطر المراهنات الإلكترونية، فمن الضروري تكثيف الحملات الإعلامية التي تركز على تأثير هذه الألعاب على الصحة النفسية والمالية، كما يجب توفير برامج علاجية ودعم نفسي لمن وقعوا في فخ الإدمان.
إضافة إلى ذلك، يُعتبر التشريع الحكومي أحد الحلول الفعالة لمواجهة انتشار هذه الألعاب، يجب فرض رقابة على هذه التطبيقات وضمان عدم ترويجها على نطاق واسع بين الشباب. د. سامر عبد الله يختتم رأيه قائلاً: “يجب أن نعمل بشكل جماعي، من خلال تفعيل التشريعات ومواكبة التحديات النفسية والاجتماعية التي يواجهها الشباب، لتفادي المزيد من الآثار السلبية على هذا الجيل.
“إن ظاهرة إدمان المراهنات الإلكترونية ليست مجرد مسألة ترفيهية، بل هي قضية اجتماعية واقتصادية معقدة تؤثر بشكل مباشر على جيل كامل من الشباب، وفيما يزداد هذا النوع من الألعاب انتشاراً، يصبح من الضروري التدخل بشكل فاعل لحماية الشباب من تبعات هذه الظاهرة، والعمل على توفير بيئة أكثر أماناً لهم.