الثورة- علي إسماعيل:
في عالم السياسة تكون المصالح هي الموجه الأساسي للعلاقات الدولية، وكل ما يخرج للإعلام ليس بالضرورة أن يعكس حقيقة ما يجري.
مؤتمر الأمم المتحدة الخاص بمخيم الهول، الذي انعقد في نيويورك بمبادرة عراقية وبدعم فني من مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، خرج بتوصيات هامة منها احترام سيادة سوريا وتسريع إعادة الرعايا وتعزيز التعاون الدولي، لكن حساسية الملف، وعنوان المؤتمر الأممي والذي يُوصف بأنه أحد أخطر الملفات الأمنية والإنسانية في الشرق الأوسط، يجعل النظر إلى توصيات المؤتمر غير عادي.
وطبقاً للبيان الختامي للمؤتمر، أكد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين أن مخيم الهول يشكل تحدياً إنسانياً، وتهديداً لأمن المنطقة، في حين كشف عن استضافة بلاده مؤتمراً في بغداد لضحايا الإرهاب العام المقبل، في حين طالب الرئيس العراقي عبد اللطيف جمال رشید، بكلمة في المؤتمر، على ضرورة أن تعيد الدول رعاياها من مخيم الهول، والعمل على تأهيلهم وإدماجهم من جديد.
وتشديد البيان الختامي على احترام سيادة سوريا ودعم حكومتها في تطوير آليات وطنية للإعادة والمحاسبة، هو إقرار ضمني بأن أي حل لا يمكن تحقيقه من دون دمشق، حتى وإن كانت مناطق المخيم واقعة فعلياً تحت سيطرة “قسد” المدعومة من واشنطن ما يبرر التعاون الميداني معها.
في المؤتمر كان اللافت الحضور الأميركي غير المعتاد، المتمثل بالأدميرال براد كوبر، قائد القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم)، والذي لم يكتفِ بتوجيه الدعوة إلى الدول لإعادة مواطنيها، بل كشف عن خطط لإنشاء آلية تنسيق مشتركة جديدة، بعد أن زار بنفسه مخيم الهول في وقت سابق.
والأهم من ذلك، هو أن كوبر أجرى لقاءً في دمشق مع الرئيس أحمد الشرع، في أول زيارة معلنة لقائد “سنتكوم” إلى العاصمة السورية، الأمر الذي فتح الباب أمام أسئلة استراتيجية كثيرة، أولها، هل نشهد بداية تطبيع أمني بين واشنطن ودمشق يتجاوز التنسيق؟ أم إنها مجرد سياسة أميركية ميدانية لاحتواء أزمة قد تنفجر في وجه الجميع؟.
وبحسب تقارير أممية فإن عدد قاطني المخيم بلغ ذروته عام 2019 (نحو 70 ألف شخص) عقب سقوط آخر معاقل تنظيم داعش، حيث تحوّل المخيم إلى “خزان بشري” ما أثار مخاوف أمنية عالمية، واليوم انخفض العدد إلى أقل من 30 ألفاً، لكن الخطر لم يختفِ، مع وجود آلاف النساء والأطفال الذين يعيشون بين فراغ أمني وضعف خدماتي وتناقض في المرجعيات القانونية، فالدول الغربية تماطل في إعادة رعاياها خشية من تداعيات سياسية داخلية.
ويثير إصرار مؤتمر الأمم المتحدة “الخاص بمخيم الهول” على “احترام السيادة السورية”، نقاشاً أوسع حول معادلة تقول: كيف يمكن احترام سيادة دولة لا تسيطر فعلياً على جزء من أراضيها؟ في الوقت نفسه، كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يتنصل من مسؤولياته تجاه آلاف الأشخاص- بينهم أطفال بلا ذنب- بحجة عدم التدخل في الشأن الداخلي؟ هذا التناقض يجعل من قضية الهول اختباراً حقيقياً لمصداقية القانون الدولي الذي يوازن بين حقوق الدول وواجبات المجتمع الدولي.
المبادرة لعقد المؤتمر جاءت من العراق لما تعانيه بدورها من إرث عناصر داعش وعائلاتهم، لكن لا بديل عن دعم الحكومة السورية في هذا الملف بما يمنح دمشق ورقة قوة جديدة، وذلك للتنسيق مع كل من واشنطن وبغداد التي تسعى لتكون وسيطة وشريكة للأمم المتحدة في حل هذه المشكلة، لتعزيز مكانتها الإقليمية.
وسائل إعلام عربية ومنها عراقية، تحدثت عن تعاون دولي لإغلاق مخيم الهول وفق الآلية الجديدة التي تحدث عنها الأدميرال كوبر، كمسار عملي لتسريع إعادة الرعايا، ما يخفف العبء عن المخيمات ويحد من مخاطر التطرف، لكن نجاح هذه الآلية مشروط بثلاثة عوامل تتلخص بالتزام الدول الغربية بإعادة رعاياها رغم التكلفة السياسية الداخلية، والتنسيق الفعلي مع دمشق لتوفير مظلة قانونية وسياسية لعمليات الإعادة، إضافة للتعاون الإقليمي الذي يشمل العراق وتركيا والأردن لضبط الحدود ومنع إعادة تدوير عناصر متطرفة.
وهنا لابد من سؤال يطرح نفسه، هل يمثل مؤتمر نيويورك تحولاً استراتيجياً في التعاطي مع ملف مخيم الهول، أم مجرد خطوة أخرى في سلسلة بيانات لا تُترجم على الأرض؟.
حتى الآن، الواضح أن ترك المخيمات على حالها يعني ترك برميل بارود من الممكن أن ينفجر في أي لحظة، ليس في سوريا وحدها بل في الإقليم والعالم.