“الراحة المفقودة”.. الاستراحات تحوّل النزهة إلى كابوس مالي

الثورة – رولا عيسى:

تحوّلت الاستراحات على الطرقات العامة والمناطق السياحية في سوريا في السنوات الأخيرة، إلى وجهة رئيسة للعائلات والمسافرين، سواء بغرض الراحة أثناء التنقل أم لقضاء يوم قصير بعيداً عن صخب المدن.. غير أنّ هذه الاستراحات التي كان يُفترض أن تكون ملاذاً مريحاً بأسعار مقبولة، أصبحت اليوم عبئاً إضافياً على ميزانيات العائلات بسبب الغلاء الكبير في أسعارها وغياب الرقابة الفعلية عليها.

يثقل كاهل الزائرين

تتحدث عائلات عديدة عن أنّ قضاء يوم واحد في إحدى الاستراحات قد يكلّفها ما يعادل مصروف أسبوع كامل في المنزل، أو حتى قضائها لربع ساعة. فأسعار المأكولات والمشروبات تكاد تكون مضاعفة مقارنةً بالمطاعم الشعبية داخل المدن، ويقول فيصل مصطفى- مسافر، التقيناه في إحدى الاستراحات: طلبنا “سندويشات” بسيطة لأطفالنا، ففوجئنا أن الكلفة تضاهي وجبة في مطعم متوسط المستوى داخل دمشق، وتجاوزت الفاتورة 150 ألف ليرة، علماً أنّ المكونات لم تكن بالجودة المتوقعة ولا بالكميات المعتادة.

هذه الشكوى تكررت على ألسنة كثيرين، خصوصاً في ما يتعلق بموضوع الأوزان وجودة الطعام، فلفافة “السندويش” التي يُفترض أن تحتوي كمية كافية من اللبنة أو الجبنة أو المرتديلا، تقدَّم في الاستراحة بكميات قليلة جداً، وكأنها مجرد وجبة رمزية لا تتناسب مع السعر المدفوع، والأمر ينطبق على المعجنات والبسكويت، فالقطعة الواحدة بين 7000-15000 ليرة سورية، كذلك الأمر بالنسبة لمختلف أنواع المشروبات من الشاي والعصائر وغيرها.

أصحاب الاستراحات: “الزبون عابر”

في المقابل، يبرّر بعض أصحاب الاستراحات ارتفاع الأسعار أنّ زبائنهم ليسوا دائمين، بل هم “عابرون” يمرّون بالمكان مرة أو مرتين فقط. ويقول مراد. س: “الزبون عابر، بياخذ مرّة واحدة وبيمشي بحاله”. هذا المنطق يجعل بعض الاستراحات تركز على الربح السريع بدلاً من كسب زبون دائم، فتفرض أسعاراً عالية بلا مراعاة للقدرة الشرائية أو مستوى الخدمة. ويضيف: نحن نُصنَّف من وزارة السياحة على أنّنا استراحات سياحية، لكن الكلفة التشغيلية كبيرة: كهرباء، مازوت، مواد غذائية، “كل شيء غالٍ”، لذلك الأسعار مضطرة تكون مرتفعة”.

ضعف المتابعة

يقول أمين سر جمعية حماية المستهلك والخبير الاقتصادي عبد الرزاق حبزة: أحد أبرز أسباب تفاقم المشكلة هو ضعف الرقابة من قبل الجهات المعنية، فمعظم هذه الاستراحات تقع في مناطق بعيدة، أو على طرق يصعب وصول الدوريات التموينية أو السياحية إليها، كما أن عدد المراقبين محدود، ونقص السيارات والآليات يزيد من صعوبة مهمة المتابعة.ويتابع: إنّ عدد الدوريات قليل جداً مقارنة بعدد الاستراحات المنتشرة على الطرقات، وحتى عند وصول الرقابة، غالباً ما تكون المتابعة سطحية ولا يتم التدقيق بتفاصيل مثل الوزن الفعلي للوجبات أو مستوى النظافة. هذا الفراغ الرقابي جعل بعض الاستراحات تتصرف بحرية كاملة، من دون الالتزام بالأسعار الرسمية أو بالمعايير المفروضة من وزارة السياحة، والكلام للخبير حبزة.

التصنيف السياحي

ويشير إلى أن وزارة السياحة تصنّف الاستراحات حسب النجوم (نجمتين أو ثلاث نجمات مثلاً) بناءً على معايير محددة.. نوعية الأدوات المستخدمة، مستوى النظافة، جودة البورسلان، عدد المطابخ، والأهم نوعية ووزن الوجبات المقدمة، لكن على أرض الواقع، كثير من الاستراحات الحاصلة على تصنيف معين لا تلتزم فعلياً بهذه الشروط. لكن لابد من الإشارة إلى أن زيارة استراحة مصنفة ثلاث نجوم في ريف دمشق، تقول عنها الزائرة “فتاة. ج”: لم نجد فرقاً كبيراً بين هذه الاستراحة وأخرى غير مصنفة، نفس الخدمة والأسعار المرتفعة، وكذلك الملاحظات على الطعام، وهذا يطرح تساؤلات جدية حول آلية منح التصنيفات ومدى التزام أصحاب الاستراحات بتطبيقها.

عبء اقتصادي على العائلات

هنا يبين الخبير حبزة أنه بالنسبة للعائلات، فإنّ غلاء أسعار الاستراحات لم يعد مجرد تفصيل صغير في الرحلة، بل أصبح عائقاً يحرم الكثيرين من الاستمتاع بنزهة بسيطة، فبدلاً من أن تكون الاستراحة خياراً مريحاً لتناول وجبة أو احتساء فنجان قهوة، باتت تشكل هاجساً مالياً يدفع العائلات إلى حمل طعامها الخاص من المنزل لتفادي الفواتير المرتفعة.وتقول مها زاهر- موظفة “صرنا نجهز السندويشات والوجبات الخفيفة في البيت قبل أي رحلة، لأنّ الأسعار في الاستراحات لم تعد تُحتمل”.

ما المطلوب؟

بالعودة لأمين سر جمعية حماية المستهلك يقول: المشكلة الأساسية تكمن في الفجوة بين القوانين والتطبيق، فالتعليمات موجودة، لكن الرقابة ضعيفة، ما يسمح بتجاوزات كثيرة.

ويضيف: المطلوب اليوم ليس فقط زيادة عدد الدوريات التموينية والسياحية، بل أيضاً اعتماد آليات عملية للرقابة، مثلاً: تحديد أسعار واضحة وملزمة للوجبات والمشروبات في الاستراحات، وفرض التزام دقيق بالأوزان المقررة، بحيث يعرف الزبون أنه يحصل على كمية محددة مقابل السعر، وتشديد العقوبات على المخالفين، خصوصاً الاستراحات التي تستغل غياب الزبون الدائم لرفع الأسعار بلا مبرر، ونشر لوائح رسمية بالاستراحات المصنفة وتوضيح حقوق المستهلك.

لاشك أن الاستراحات في سوريا، التي يُفترض أن تكون مكاناً للراحة والاستجمام، تحولت بسبب الغلاء وغياب الرقابة إلى مصدر استنزاف مالي للعائلات.

وبين مبررات أصحابها، وشكاوى المواطنين، وضعف الرقابة الحكومية، تبقى الحاجة ملحة لإعادة تنظيم هذا القطاع بما يضمن توازناً بين حقوق المستثمر وحقوق المستهلك، فالسياحة الداخلية لا يمكن أن تنهض ما دامت أبسط مقوماتها -وهي الاستراحات- تشكل عبئاً على المواطن بدلاً من أن تكون فرصة للراحة والمتعة.

آخر الأخبار
 فاتورة دعم الكهرباء كبيرة جداً ولا بد من تصحيحها رئيس الغرف الزراعية: إتاحة المجال لقطاع الأعمال للقيام بالاستثمار والتنمية إدارة منطقة منبج تنفي شرعية ما يسمى بـ " نقابة المعلمين الأحرار " انتهاكات "قسد" المستمرة تهدد بانهيار اجتماعي في الجزيرة السورية "التأمين والمعاش" بحمص ..طابق مرتفع وكهرباء بـ"القطارة" ..! رفع تعرفة الكهرباء بين ضرورات الاستدامة والضغوط المعيشة  مستشفى الصنمين... بين نبض الحياة وغياب القرار! "المستهلك المالي" يحتاج إجراءات مبسطة تناسب المواطن العادي الموجه الأول لمادتي الفيزياء والكيمياء: تفعيل المخبر المدرسي وإدخال "الافتراضي" خروقات "قسد" المستمرة.. انتهاكات بحق المدنيين تتجاوز اتفاق الـ10 من آذار  بعد رفع أسعار الكهرباء.. صناعيون يطالبون بالتشاركية لإنقاذ القطاع  التسوق الإلكتروني.. فرصة اقتصادية أم تهديد للمتاجر الصغيرة؟ تفعيل دور القضاء في السياسات التعليمية  الإصلاح والواقع المعيشي.. خياران أحلاهما مر  أمام  قرار رفع الكهرباء   الربط البري بين الرياض ودمشق..فرص وتحديات اقتصادية  في عالم الأطفال ..  عندما  تصبح الألعاب أصدقاء حقيقين   الأسعار الجديدة للكهرباء تشجع على الترشيد وتحسن جودة الخدمة  تعادل سلبي للازيو في السيرا (A) بايرن ميونيخ يشتري ملعباً لفريق السيدات ميسي يتحدى الزمن ويُخطط لمونديال (2026)