ضعف تمثيل المرأة يعود لكون الانتخابات جاءت في سياق انتقالي

الثورة – مها دياب:

المرأة نصف المجتمع، وشريكة أساسية في بناء الأسرة، من ثم المجتمع والدولة، فهي قلبه النابض بالقدرة على البناء والتغيير، وصاحبة الدور الحيوي في صياغة الوعي الوطني وتشكيل مستقبل الأجيال، فحضورها في الحياة العامة يعكس قوة المجتمع وتوازنه، ويمنح مسارات التنمية طاقة الاستمرار والتجدد.

وفي سوريا، أثبتت النساء حضوراً فاعلاً في مختلف مراحل التحول الوطني، من الثورة إلى العمل المجتمعي، ومن الميدان إلى المنابر السياسية، شاركن في صياغة الخطاب الوطني، وأسهمن في دعم المجتمعات المحلية، وكن في مقدمة الصفوف خلال اللحظات المفصلية التي رسمت ملامح سوريا الجديدة، ومع دخول البلاد مرحلة تأسيسية جديدة، تبرز الحاجة إلى توسيع مشاركة المرأة في صنع القرار، كقوة تشريعية مؤثرة تملك الرؤية والخبرة والشرعية المجتمعية، وتساهم في بناء سوريا الجديدة بكل كفاءة واقتدار.

ورغم هذا الحضور، فإن تمثيلها في المجلس البرلماني الانتقالي ظهر منخفضاً، إذ لم تتجاوز نسبتها ثلاثة في المئة من إجمالي الأعضاء، وهذا الرقم يكشف عن فجوة تمثيلية تستدعي تدخلاً عبر إصلاحات قانونية، وتوسيع فرص الترشح، وتوفير بيئة داعمة تضمن مشاركة عادلة وشاملة في صنع القرار الوطني.

غياب تسويق ثقافة العمل

المدربة لينا الرفاعي، تقول في المشهد العام لتمثيل المرأة: يبرز غياب ثقافة تسويق العمل والأفكار كعامل مؤثر في تراجع حضور المرشحات في مواقع القرار، ولا يتم التعامل مع التسويق كجزء من العملية السياسية، بل ينظر إليه غالباً كخطوة تكميلية تأتي بعد الإنجاز، ما يؤدي إلى تغييب الكفاءات النسائية عن وعي الجمهور، أيضاً كثير من النساء يعملن بجد ويقدمن أفكاراً نوعية، لكن من دون تسويق منظم، بالتالي تبقى هذه الجهود غير مرئية.

وهذا الغياب لا ينعكس فقط على فرص الفوز، بل يؤثر أيضاً على ثقة المجتمع بقدرة المرأة على القيادة، إذ لا يعرف الناس عنها شيئا سوى الاسم أو الصورة، من دون محتوى يعكس رؤيتها أو خبرتها.

سلوك التصويت

وأضافت الرفاعي: من جهة أخرى، تساهم معايير التصويت التقليدية في تعزيز هذا الضعف، إذ يميل كثير من الناخبين إلى التصويت للرجل، سواء بدافع العادة أم الثقة الموروثة.. حتى النساء أنفسهن، في كثير من الحالات، لا يصوتن لمرشحة مثلهن، بل يفضلن الرجل، ما يعكس خللاً في الوعي الجمعي حول دور المرأة في الشأن العام.

هذا الواقع يفرض ضرورة بناء ثقافة تسويقية واعية، تدمج بين العمل والمحتوى والظهور، وتعيد تشكيل العلاقة بين الناخب والمرشحة على أساس الكفاءة والبرنامج، لا على أساس الصورة النمطية أو الانتماء الاجتماعي.

دور تاريخي

من جهة أخرى يقول الباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية الدكتور عبد الباسط أبو نبوت، إن المرأة عبر العصور كانت شريكة للرجل في بناء الدولة، ولم يكن دورها ثانوياً أو تكميلياً، بل كانت دائماً جزءاً من القرار، من الأسرة إلى المجتمع إلى المؤسسات، مؤكداً أن المرأة السورية أثبتت جدارتها في مختلف الميادين، ولا يمكن الحديث عن سوريا الجديدة من دون تمكينها الكامل.

وأوضح أن المرأة السورية لعبت دوراً محورياً خلال الثورة، وكانت في مقدمة الصفوف في المظاهرات، وشاركت في العمل الميداني، وكانت من أوائل المعتقلات والشاهدات على الأحداث.

هذا الدور الثوري يجعل من مشاركتها في بناء سوريا الجديدة أمراً غير قابل للتأجيل أو التهميش، بل هو امتداد طبيعي لتضحياتها.

انتخابات انتقالية

وأشار أبو نبوت أن ضعف تمثيل المرأة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة يعود إلى كون هذه الانتخابات جاءت في سياق انتقالي، ما فرض آليات خاصة في تشكيل المجلس، منها اختيار هيئة ناخبة من 1500 شخص، بينهم فقط 140 امرأة، وهذا الرقم يعكس خللاً في التمثيل، رغم أن الاختيار تم بناء على الكفاءة والتوزيع الجغرافي، فمن أصل 140 امرأة، لم تفز سوى سبع، وهو ما يطرح تساؤلات حول قدرة المرأة على تسويق نفسها سياسياً ضمن مشروع انتخابي واضح.

حلول مطروحة

أبو نبوت بين أن معالجة ضعف التمثيل النسائي لا تكون باللوم، بل بتوفير بيئة داعمة، تشمل رفع القيود التقليدية، وتشكيل فرق استشارية تساعد النساء على بناء برامج انتخابية قوية.

وأضاف: إن كون المجلس الحالي هو مجلس أفراد وليس أحزاب، يتطلب تنوعاً حقيقياً في الكفاءات، يشمل النساء، الشباب، أهالي المفقودين والشهداء، وكل مكونات المجتمع السوري.

ولفت أن سوريا تمر بمرحلة تأسيسية، تتطلب توحيد الاستراتيجيات، ومشاركة المرأة في صنع القرار، خاصة في صياغة الدستور الدائم، وحماية الحقوق، والمساهمة في العدالة الانتقالية.

فالمرأة السورية مبدعة، واحترافية، ومتميزة، وآن الأوان أن يترجم هذا التميز إلى تمثيل سياسي حقيقي، يضمن لها دوراً في مراقبة الحكومة، وصنع القرار، وإيصال صوت الشعب.

شراكة حقيقية

وختم بقوله: نحن أمام محطة وطنية جديدة، تتطلب شراكة حقيقية بين المرأة والرجل في صنع القرار، ولتحقيق ذلك، يجب إقرار كوتا نسائية ملزمة لا تقل عن 30 بالمئة، مع تشكيل فرق دعم واستشارة للمرشحات، وإطلاق حملات توعية مجتمعية لتغيير النظرة التقليدية، إضافة لتعزيز دور الإعلام في تسليط الضوء على القيادات النسائية، وتوفير منصات تدريب وتأهيل سياسي للنساء، لأن تمكين المرأة سياسياً هو تمكين لسوريا كلها، نحو مستقبل أكثر عدالة وشراكة واستقرار.

آخر الأخبار
سوريا في صلب الاهتمام والدعم الخليجي - الأوروبي كوينتانا: معرفة مصير المفقودين في سوريا "مسعى جماعي" العمل عن بعد.. خطوة نحو إدارة عصريّة أكثر مرونة "كوتا" باردة في مشهد ساخن.. كيف غابت النساء عنه؟ مشاريع جديدة للطاقة المتجددة.. بين الطموح والقدرة على التنفيذ "منصات التداول".. إغلاق مربك وأموال المتداولين لمصلحة من ذهبت؟ إعفاء المنشآت المدمّرة من الضرائب.. إجراءٌ طبيعيٌّ هنا... حيث تكتب الإرادة مفاضلتها الخاصة تأسيس اتحاد موحد لأصحاب محطات الوقود التفاؤل حذر.. "سويفت" في مواجهة قانون قيصر عودة نظام "سويفت"... هل تُعيد الثقة للمصارف السورية؟ المشروعات البسيطة قادرة على تحرير المجتمعات من أسر الفاقة هل ضعف الثقة المجتمعية بقدرة المرأة وراء تدني نسبة تمثيلها بالانتخابات؟ ضعف تمثيل المرأة يعود لكون الانتخابات جاءت في سياق انتقالي من ميدان الثورة إلى ميدان البناء.. مؤمنة عربو الفائزة الأولى بانتخابات حماة انطلاقة متجددة للصناعة في "الشيخ نجار" الجفاف والمعاومة يخرجان نصف موسم الزيتون بدرعا من الإنتاج مطالبات بتفعيل خط سرفيس باب جنين - دويرينة في مدينة حلب 5 بالمئة فقط... من يصغي لصوت المرأة؟ "أتقدم خطوة".. يرسم ملامح تضحيات الآباء ويحفز الأبناء للامتنان