الثورة – ميساء العجي:
في عالم يزداد فيه الابتعاد عن الطبيعة والتراث الزراعي، برزت أهمية توعية الأطفال بموروثهم الثقافي والغذائي منذ سن مبكرة، وفي روضة “بواسل الغد” في مدينة طرطوس، أقيم مؤخراً نشاط فريد من نوعه، جمع بين التعلم والمرح، إذ تعرف الأطفال على عملية دق الزيتون واستخراج الزيت، تجربة حسية وتجريبية أضافت أبعاداً جديدة لتعليمهم وفهمهم للتراث المحلي.
النشاط وأهدافه
تقول المعلمة عفراء محمد: بدأ النشاط بمقدمة من قبل المعلمين، وشرحوا للأطفال أهمية الزيتون في الحياة اليومية، وفوائده الغذائية والصحية، وأهميته الاقتصادية للبلاد، كما تطرقوا إلى القيم المرتبطة بالزراعة، مثل الصبر والمثابرة والتعاون، والهدف من النشاط لم يكن مجرد تعريف الأطفال بالزيتون، بل ربطهم بأرضهم وبموروثهم الثقافي بطريقة ممتعة وتفاعلية.
وحول خطوات النشاط وتفاعل الأطفال، ذكرت كيف تم تقسيم الأطفال إلى مجموعات صغيرة، إذ تولت كل مجموعة مهمة معينة ضمن سلسلة خطوات استخراج الزيت، بدأ النشاط بتنظيف الزيتون، ثم ترتيب حباته بعناية، قبل الانتقال إلى مرحلة الدق باستخدام أدوات آمنة ومناسبة للأطفال، لافتة إلى أنه خلال هذه المرحلة، ظهر الحماس على وجوه الأطفال، وكانت أصواتهم وضحكاتهم تعكس فرحة التعلم العملي.
المعلمة محمد، أوضحت أن الهدف الأساسي من هذه التجربة هو تعزيز المهارات الحركية للأطفال، مثل التنسيق بين اليد والعين، واستخدام القوة بشكل مناسب، إضافة إلى تعليمهم قيمة التعاون والعمل الجماعي، الأطفال تعلموا كيفية التناوب ومساعدة بعضهم البعض، ما جعل النشاط تجربة اجتماعية وتعليمية في الوقت نفسه.
ربط النشاط بالتراث والثقافة
تضيف المعلمة محمد: ليس الهدف من دق الزيتون مجرد إنتاج رمزي للزيت، بل هو جسر يربط الأطفال بتراثهم الزراعي والغذائي، تعرف الأطفال على القيم الثقافية المرتبطة بالزراعة، مثل احترام الأرض ومراحل الإنتاج المختلفة، وتقدير جهود الفلاحين، كما أتيح لهم فرصة الاستماع لقصص قصيرة عن العائلات التي كانت تعتمد على الزيتون في حياتها اليومية، ما جعل النشاط تجربة تعليمية متكاملة بين التعلم النظري والتطبيق العملي.
وأكدت أن النشاط ساهم في تعزيز وعي الأطفال بأهمية الغذاء الصحي وفوائد زيت الزيتون، كما ساعد على تنمية مهاراتهم الإدراكية والحسية، فهم الأطفال كيف يمكن لعمل جماعي بسيط أن يؤدي إلى نتيجة ملموسة، وعرفوا قيمة الصبر والمثابرة في إنجاز المهام، هذا النوع من التعليم العملي يعزز الثقة بالنفس ويشجع الأطفال على استكشاف بيئتهم والتفاعل معها بشكل إيجابي.
وأشارت إلى أنه في عالم تتسارع فيه الحياة ويبتعد فيه الأطفال عن الطبيعة والتراث، توفر هذه الأنشطة فرصة لإعادة الروابط بين الجيل الجديد وأرضه وموروثه، مؤكدة أن التعليم لا يقتصر على الكتب فقط، بل يمتد إلى التجربة العملية التي تترك أثراً دائماً في تشكيل شخصية الطفل وفهمه لقيم العمل الجماعي والتعاون، وأهمية الغذاء الصحي والحفاظ على البيئة.
وأوضحت المعلمة محمد أن المعلمين لاحظوا أن الأطفال كانوا أكثر قدرة على التركيز والانتباه خلال النشاط مقارنة بالأنشطة التقليدية في الصف، ما يعكس قوة التعلم التجريبي في بناء مهارات التعلم الذاتي والتفكير النقدي منذ سن مبكرة.
مشاركة أسرية
أبدى الأهالي إعجابهم بمدى تفاعل الأطفال وفهمهم لأهمية التراث الغذائي، بعض الأهالي عبروا عن رغبتهم في تكرار مثل هذه الأنشطة في المنزل، لتعزيز الروابط بين الأطفال وأرضهم وموروثهم الثقافي، كما أبدى الكثير منهم رغبتهم في مشاركة الأطفال في زراعة الزيتون في الحدائق أو المشاركة في موسم الحصاد، ما يعكس نجاح النشاط في تشجيع المشاركة المجتمعية الأسرية.
واختتم النشاط بورشة تعليمية قصيرة حول مراحل إنتاج الزيت وفوائده الصحية، مع تقديم تجربة تذوق رمزية للأطفال، لتعميق فهمهم وإحساسهم بالنتيجة النهائية للعمل، وأكد المعلمون أن هذا النوع من الأنشطة يترك أثراً طويل المدى في نفوس الأطفال، ويدمج التعلم بالمتعة، ويجعلهم أكثر ارتباطاً بالتراث المحلي.
إن نشاط دق الزيتون في رياض الأطفال ليس مجرد لعبة أو تجربة عابرة، بل هو تجربة تربوية متكاملة تزرع القيم والمعرفة في نفوس الأطفال منذ الصغر، ويعكس هذا النشاط قدرة التعليم العملي على تعزيز مهارات التفكير النقدي والاجتماعي والحسي، وربط الأطفال بثقافتهم ومجتمعهم بطريقة ممتعة وآمنة.