هنا… حيث تكتب الإرادة مفاضلتها الخاصة

الثورة – علا محمد:

لم يعد الطريق إلى المقاعد الجامعية محفوفاً بالعقبات لذوي الاحتياجات الخاصة، ففي كلية “الهندسة المدنية”، ينبض مكان مختلف بالإنسانية قبل التقنية؛ مركز دعم المفاضلة لذوي الاحتياجات الخاصة، الذي توافد إليه العشرات، يجسد فكرة أن العدالة التعليمية ليست شعاراً بل هي فعل متحقق على أرض الواقع.

لقاءات “الثورة” داخل المركز كشفت تفاصيل عملٍ دقيقٍ ومنظم، تشرف عليه كوادر أكاديمية وهندسية بخبرةٍ وتفانٍ لاحتواء احتياجات كل طالب، وتسهيل مسار تسجيله الجامعي بخطواتٍ مدروسة.

من الفكرة إلى التطبيق

يقول عميد كلية الهندسة المدنية الدكتور محمد الشبلاق: إن المفاضلات الخاصة في الجامعات السورية كانت سابقاً تشمل ثلاث فئات: أبناء الهيئة التدريسية، وذوي الشهداء، وذوي الجرحى والمفقودين، لتضاف لاحقاً فئة ذوي الاحتياجات الخاصة.. لكنّ هذا العام حمل خطوة مختلفة، تمثلت بتخصيص مركز دعم مستقل لهذه الفئة، لتسهيل الإجراءات وتقديم بيئة تكنولوجية ومرافقة تراعي طبيعة الإعاقات المتنوعة.

ويشرح د. الشبلاق أن أولى مراحل المفاضلة تبدأ في مستشفى المواساة حصراً، إذ تشكل جامعة دمشق لجنة طبية من ستة أطباء مختصين لتقييم الإعاقات، لا يخضع الطالب لفحص جماعي، بل يُعرض على الطبيب المختص بطبيعة إعاقته إن كانت سمعية، بصرية، أو حركية، ليتم تحديد نسبة الإعاقة بدقة، ومع انتهاء الفحص، يُمنح الطالب تقريراً طبياً معتمداً يمكّنه من متابعة التسجيل في مركز الدعم.

تكنولوجيا في خدمة العدالة

بدوره، يوضح مدير مركز مفاضلة ذوي الاحتياجات الخاصة المهندس عمر محمد المصري، أن المركز مجهز بأربعين حاسوباً وكامل التجهيزات التقنية لاستقبال الطلبة، وتبدأ العملية بتسليم الطالب تقريره الطبي الصادر عن المستشفى المعتمد، ثم يقوم فريق المركز بفتح حساب خاص له يتضمن معلوماته الشخصية ونوع الشهادة والإعاقة، ليُرفع بعدها ملفه إلكترونياً إلى موقع المفاضلة.

وأشار إلى أن التميّز هنا يكمن في مشاركة الطالب من ذوي الاحتياجات في مفاضلتين متزامنتين، الأولى خاصة بهذه الفئة وتراعي نوع الإعاقة بما يناسب قدرته الأكاديمية، والثانية هي المفاضلة العامة التي يشارك فيها باقي الطلبة، فيختار الفرع الذي يراه أنسب لطموحه وقدراته، كما يمكن للطالب تثبيت طلبه أكثر من مرة حتى نهاية فترة المفاضلة، ما يمنحه مرونة إضافية في تعديل خياراته.

دعم إنساني ومتابعة لحظية

يؤكد مدير المركز أن الخدمات المقدمة لا تقتصر على التقنية فقط، بل تشمل إرشاداً ومرافقةً فردية من لحظة دخول الطالب حتى تثبيت طلبه النهائي، حيث يقوم مهندسون مختصون ومتطوعون بمساعدتهم على إدخال البيانات، خاصة في الحالات التي لا يتمكن فيها الطالب من استخدام الحاسب بنفسه.

ورغم أن عدد المتقدمين حتى الآن بلغ 44 طالباً، فإن حجم الجهد المبذول كبير، ولاسيما مع وجود تعدد في المناهج الدراسية هذا العام، منهاج دمشق، إدلب وغيرها، ما يؤدي إلى اختلافات في رموز المواد وتنسيق الشهادات.

ويضيف م. المصري: إن المركز يتعامل مع هذه التحديات بالتنسيق المباشر مع غرفة العمليات في وزارة التعليم العالي، المرتبطة إلكترونياً بجميع المراكز الجامعية، “أي مشكلة تظهر نرسلها فوراً إلكترونياً إلى الوزارة أو جامعة دمشق، ويتم الرد الفوري” يقول المصري، مشيراً إلى أن هذا الترابط السريع يحول دون تعطّل أي طلب.

ويختم بابتسامة: “التعامل مع طلاب ذوي الاحتياجات مريح جداً، فهم أصحاب إرادة حقيقية، ونحن نساعدهم على اختيار الفرع الأنسب، بالشرح والتوضيح، حتى لا يكون القبول مجرد رقم بل خطوة نحو مستقبل فعلي”.

طلاب بخطوات واثقة

بين وجوهٍ يملؤها الأمل، بدت ملامح الارتياح واضحة على طلاب ذوي الاحتياجات الخاصة الذين خاضوا تجربة التسجيل في مركز المفاضلة.. لم تكن الخطوات صعبة كما تخيّلوا، بل أشبه بعبورٍ ممهّد بعناية، يرافقهم فيه الكادر خطوة بخطوة.

تقول مرح ديب: إن أكثر ما لفتها هو الدقة في التعامل والهدوء داخل القاعة، إذ لم تحتج حتى للمس لوحة المفاتيح، فالمهندس المتابع أدخل رغباتها كما لو كان يقرأ ما تفكر به.

إلى جانبها كان أحمد السلوم يتبادل الحديث مع أحد المتطوعين عن اختياراته الجامعية، معترفاً أن هذه هي المرة الأولى التي يشعر فيها أن المفاضلة ليست اختباراً لقدراته التقنية، بل لحقه الطبيعي في أن يبدأ من المكان الذي يناسبه.

أما حسام فواز فكان أكثرهم اختصاراً، حين قال بابتسامة مطمئنة: إن المركز “اختصر الطريق”، فكل ما كان يحتاجه من دعم فني أو إرشاد أكاديمي أو حتى مساعدة بسيطة في ترتيب الرغبات، وجده في مكان واحد، مضيفاً: إن التجربة هذا العام بدت أقرب إلى تعاونٍ إنساني منها إلى إجراءٍ إداري بين جدران هذا المركز، لا يُقاس التميز بعدد الحواسيب أو الشهادات المعلقة، بل بما يُزرع من طمأنينة في قلوب طلابٍ يسيرون بخطواتٍ مختلفة، لكنها ثابتة نحو المستقبل.

وهكذا، لا تبقى المفاضلة مجرد إجراءٍ إداري، بل رسالة إنسانية تقول: الحق في التعليم… لا يُستثنى منه أحد.

آخر الأخبار
تمثيل المرأة المحدود .. نظرة قاصرة حول عدم مقدرتها لاتخاذ قرارات سياسية "الإغاثة الإسلامية" في سوريا.. التحول إلى التعافي والتنمية المستدامة تراكم القمامة في مخيم جرمانا.. واستجابة من مديرية النظافة مستقبل النقل الرقمي في سوريا.. بين الطموح والتحديات المجتمعية بعد سنوات من التهجير.. عودة الحياة إلى مدرسة شهداء سراقب اتفاقية لتأسيس "جامعة الصداقة التركية - السورية" في دمشق قريباً ليست مجرد أداة مالية.. القروض المصرفيّة رافعةٌ تنمويّةٌ بعد غياب أربعة أيام.. التغذية الكهربائية تعود لمدينة جبلة وريفها حدائق حمص خارج الخدمة.. والمديرية تؤكد على العمل الشعبي سوريا في صلب الاهتمام والدعم الخليجي - الأوروبي كوينتانا: معرفة مصير المفقودين في سوريا "مسعى جماعي" العمل عن بعد.. خطوة نحو إدارة عصريّة أكثر مرونة "كوتا" باردة في مشهد ساخن.. كيف غابت النساء عنه؟ مشاريع جديدة للطاقة المتجددة.. بين الطموح والقدرة على التنفيذ "منصات التداول".. إغلاق مربك وأموال المتداولين لمصلحة من ذهبت؟ إعفاء المنشآت المدمّرة من الضرائب.. إجراءٌ طبيعيٌّ هنا... حيث تكتب الإرادة مفاضلتها الخاصة تأسيس اتحاد موحد لأصحاب محطات الوقود التفاؤل حذر.. "سويفت" في مواجهة قانون قيصر عودة نظام "سويفت"... هل تُعيد الثقة للمصارف السورية؟