الثورة – رولا عيسى:
لاقى قرار وزارة الاقتصاد والصناعة الأخير بخصوص إلزام المنتجين والمستوردين بتدوين السعر النهائي للمستهلك على المنتجات باللغة العربية وبخط واضح وغير قابل للإزالة تبايناً كبيراً في الآراء، بين مؤيد ومعارض.
ففي حين يرى البعض أن هذا القرار يأتي في إطار تعزيز الشفافية والمنافسة في الأسواق، يرى آخرون أنه قد يواجه تحديات في التطبيق وقد يعترض مع بعض المبادئ الأساسية للسوق الحر.
دوافع القرار
أمين سر جمعية حماية المستهلك والخبير الاقتصادي عبد الرزاق حبزة أوضح في تصريح لصحيفة الثورة أن القرار يقضي بتحديد السعر النهائي للمستهلك على السلع بطريقة واضحة وغير قابلة للتلاعب، أي حماية المستهلك من التضليل وضبط الأسعار في السوق.
وتابع: وفقاً للقرار، يمنع بيع أي سلعة دون إعلان السعر بوضوح، مما يسهم في توفير وضوح أكبر للمستهلكين عند شراء السلع، كما منحت الوزارة مهلة حتى 31 كانون الأول 2025 لتصريف المنتجات غير الملتزمة، وأكدت أنه سيتم معاقبة المخالفين وفقاً للقوانين والأنظمة النافذة.
ومع ذلك، يرى المنتجين أن القرار يتجاوز كونه مجرد تنظيم للسوق ليصبح أداة لتحديد آليات البيع والتسعير، وهو ما يتناقض مع مبدأ “السوق الحر” الذي يعتمد على المنافسة والمرونة في تحديد الأسعار.
وهنا يعلق حبزة أن القرار يعد تنظيمياً بحتاً ولا يتعلق بتحديد نسبة الربح أو الهامش، وهو يتيح للبائعين في القطاعات المختلفة تحديد أسعارهم وفقاً للسوق، لكنه في الوقت نفسه يهدف إلى منع وجود “الربح الفاحش” لبعض التجار، خاصة في الحالات التي تتباين فيها الأسعار بشكل كبير بين المحلات المختلفة.
التأقلم مع السوق الحر
ويشير حبزة إلى أن الانتقال إلى السوق الحر كان يقتضي وجود نوع من المنافسة بين التجار، والذي يساهم في ضبط الأسعار، ولكن، مع الوضع الحالي، فإن الكثير من التجار لم يتأقلموا بعد مع هذه الفكرة، مما أدى إلى ظهور فروقات سعرية كبيرة بين المنتجات والخدمات المعروضة.
من أبرز القضايا التي يثيرها القرار هي مسألة تحديد السعر النهائي للمستهلك، حيث يتساءل البعض عن كيفية تحديد هذا السعر في ظل التغيرات المستمرة في أسعار الصرف، في الوقت الذي قد يتغير فيه سعر الدولار، على سبيل المثال، يطرح السؤال حول مدى قدرة التجار على تعديل أسعارهم وفقاً للتقلبات الاقتصادية.
وأعرب حبزة عن قلقه بشأن “العقبات” التي قد تنشأ نتيجة لذلك، خصوصاً في حالة تغير سعر الصرف بين فترة وأخرى، مما يضع التجار أمام تحديات في الحفاظ على الأسعار التي وضعوها مسبقاً.
ويشير إلى أن بعض التجار قد يواجهون صعوبة في تحديد السعر المناسب لفترة طويلة، خاصة في حال وجود منتجات قديمة قد لا تتماشى مع الأسعار الجديدة في السوق.
التطبيق الفعلي
ورحب أمين سر جمعية حماية المستهلك بقرار وزارة الاقتصاد باعتباره خطوة نحو الشفافية، لكنه يرى أنه يحتاج إلى دراسة أعمق وتخطيط أكثر دقة، و في حال تم تطبيقه بشكل صحيح، قد يساهم القرار في الحد من التلاعب بالأسعار وضمان حقوق المستهلكين.
ومع ذلك، لا يخلو الأمر من مخاوف من أن يؤدي القرار إلى نتائج عكسية، خاصة في ظل قلق بعض التجار من فرض قيود على التسعير في بيئة اقتصادية تتسم بالمتغيرات المستمرة.
ويؤكد حبزة في حديثه على ضرورة وجود “توعية شاملة” للتجار والمستهلكين على حد سواء حول كيفية التعامل مع هذه المتغيرات في السوق، فضلاً عن أهمية تدخل الحكومة كشريك مع التجار لضبط الأسعار بما يتماشى مع العرض والطلب.
لاشك أن قرار وزارة الاقتصاد والصناعة في لبنان بإلزام المنتجين والمستوردين بتحديد السعر النهائي للمستهلك على المنتجات قد يكون خطوة هامة نحو تحسين الشفافية في السوق وضبط الأسعار.
لكن، مثل أي قرار تنظيمي، يتطلب هذا القرار دراسة معمقة لتحديد الآليات المثلى لتطبيقه في ظل التحديات الاقتصادية الحالية.
وإذا تم تطبيقه بشكل مدروس ومتوازن، قد يساهم في ضبط “الربح الفاحش” وتحقيق التوازن بين مصالح التجار والمستهلكين.
لكن لا بدّ من وجود آلية واضحة لتحديد مدة التزام الأسعار، خاصة مع تقلبات السوق، لضمان استدامة النتائج المرجوة.