الثورة- علي إسماعيل:
المصالح هي معيار العلاقات بين الدول، ووفقها تصاغ التفاهمات وترتب المعادلات الدولية، ومن هذا الأساس تشهد العلاقات السورية التركية، تحولات متسارعة قد تفضي إلى صياغة اتفاق أمني شامل بين البلدين، مستوحى من اتفاق “أضنة” لعام 1998، في مشهد يعكس حرص أنقرة على تأمين حدودها الجنوبية، بما ينسجم مع مصالحها الأمنية والإستراتيجية.
هذه التطورات تأتي في ظل تكثيف الاتصالات بين مسؤولي البلدين، وارتفاع وتيرة التنسيق الميداني والسياسي، خصوصاً بعد اللقاءات الأخيرة في أنقرة التي ناقشت ملفات شمال شرقي سوريا وجنوبها.
ويشير المحلل السياسي خالد الفطيم إلى أن أنقرة تعمل على تحقيق استقرار سياسي وأمني مستدام في سوريا، وتراقب عن كثب تطورات المشهد الميداني لضمان عدم انزلاقه لصراعات قد تهدد الأمن الإقليمي، موضحاً أن أحد أبرز نتائج هذه الاجتماعات، هو الاتفاق مع “قسد” على تسليم إنتاج النفط من حقول دير الزور للحكومة السورية مع السماح لهم باحتفاظ بنسبة لتغطية احتياجات السوق المحلية، هذه الخطوة، وإن بدت اقتصادية بحتة، تمثل “باكورة اندماج “قسد” في مؤسسات الدولة السورية”، وهي خطوة مدفوعة برغبة أنقرة في الحد من النفوذ الكردي المستقل، وربط مستقبل “قسد” بالقرار السوري التركي المشترك.
ويرى الفطيم، كما نقلت عنه قناة “آرتي”، أن الاجتماعات التركية ‑ السورية الأخيرة وضعت خريطة واضحة لملف شمال شرق البلاد حيث تسيطر “قسد”، وملف الجنوب السوري الذي تسعى إسرائيل لجعله منطقة منزوعة السلاح، ما دفع أنقرة إلى لعب دور الوسيط والمشرف، مستثمرة الدعم الأمريكي والدولي لتأهيل المؤسسات العسكرية والأمنية السورية، وضمان توافقها مع الخطوط التركية الحمراء.
وفي الوقت نفسه، تحرص كل من دمشق و أنقرة على عدم السماح لقسد بالاندماج ككتلة واحدة داخل الجيش السوري، مع ترك مساحة محدودة للمناورة داخل هذه القوات، ما يعكس استراتيجية متوازنة بين الضغط السياسي والتحرك العسكري المحتمل.
الخبراء يرون أن هذه المرحلة تمثل اختباراً حساساً للعلاقات السورية – التركية، ففي حال إتمام اتفاق أمني شامل، فقد يشكل قاعدة لتعاون مستقبلي أوسع بين الطرفين، بما يشمل التنسيق ضد الجماعات المسلحة، تأهيل الجيش السوري، وضمان استقرار الحدود، وفي الوقت نفسه، يمثل هذا التحرك تحدياً دبلوماسياً لكل الأطراف الإقليمية، بما في ذلك إسرائيل والولايات المتحدة، التي تراقب عن كثب أي تحولات في المواقف السياسية التركية.
ويرى الفطيم أن الاتفاق الجديد المحتمل سيكون أكثر شمولية ومرونة من اتفاق “أضنة” الأصلي، ويتيح لأنقرة فرصاً أكبر للتأثير على المسار الأمني والسياسي في سوريا، بينما تبقى دمشق الطرف الفاعل والمسؤول عن وحدة الأراضي السورية ومؤسسات الدولة، في محاولة لإيجاد توازن دقيق بين السيادة السورية والمصالح الأمنية التركية.
وتختتم التطورات الأخيرة برسم صورة جديدة للعلاقات السورية ‑ التركية، حيث تمثل الاجتماعات والمفاوضات المستمرة محاولة لتجنب التصعيد العسكري الكبير، وتفعيل الأدوات السياسية والدبلوماسية لتحقيق الأمن المشترك.
ويشير الخبراء إلى أن كل خطوة في هذا المسار ستحدد بشكل مباشر طبيعة الاستقرار الإقليمي، وعلاقات سوريا مع جيرانها، وقدرة أنقرة على الحفاظ على مصالحها الإستراتيجية في شمال وجنوب سوريا.
وفي تصريحات لوزارة الخارجية التركية، أشار وزير الخارجية هاكان فيدان إلى أن “أمن سوريا ليس بمعزل عن أمن تركيا”، وهو ما يعكس الرؤية التركية لإعادة ترتيب “بيت سوريا الداخلي” بما يضمن مصالح أنقرة، ويمنع أي تهديدات محتملة من أي جهة مسلحة أو سياسية، لاسيما مع استمرار الارتباطات التاريخية بين بعض الفصائل الكردية وحزب العمال الكردستاني.