فؤاد مسعد:
عديدة هي الفعاليات التي تستعيد اليوم عرض أفلام كانت يوماً ممنوعة في سوريا، واللافت شوق الجمهور إلى متابعتها وإن كان بعضها يعود إلى سنوات كثيرة للوراء، ومن تلك الأفلام “ع َالشَّام عَ الشَّام” الذي عرض مساء أمس في المركز الثقافي باللاذقية، بدعوة من جمعية “سوريون أحرار”.
الفيلم تسجيلي، حققه كل من “نبيل المالح والفوز طنجور وعمرو سواح”، وصوّر عام 2005 في مختلف أرجاء سوريا، من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، كما قال المالح ضمن الفيلم، إذ قطعوا “3000 كم”، ورصد الفيلم واقع الفقر والقهر والأفق المسدود، عبر شهادات حية لكثير من سكان مناطق متفرقة من أنحاء سوريا كلها كباراً وصغاراً.
كان واقعاً أشبه بحالة الموت السريري للحياة، هذا الموت الذي طال عبارة، أكد عليها الفيلم في أكثر من مكان، وأبرزها مع خلفية سوداء، جاء فيها: “الرؤية المستقبلية للخطة الخمسية العاشرة للسكان: مجتمع سوري متميز تتوازن فيه الموارد الاقتصادية والاجتماعية، خال من الفقر”، وكأنه ينعي هذه الرؤية من خلال كل شهادة قُدِمت على الشاشة، وكل مشهد صوّر حال الفقر المدقع للسكان في مختلف الأماكن.
دلالة العنوان “ع الشام ع الشام”، هو النداء الذي يصدح في مركز انطلاق الحافلات، موجهاً المسافرين إلى أن هناك حافلة ستنطلق إلى الشام لمن يود الصعود إليه، دلالة إلى الحلم الذي كان مشتركاً لدى الكثير ممن تحدثوا ورأوا في “الشام” الحلم والمُشتهى، لأن الأفق أقفلت في قراهم وبلداتهم، فليس فيها معامل أو مؤسسات أو أرض زراعية صالحة، وانتشرت البطالة بين الشبان، إلا أن هذا الحلم لا يلبث أن يصطدم بواقع أكثر مرارة خلص إليه الفيلم، عندما رصد عمالاً يعيشون العوز والقهر، باحثين عن لقمة العيش وسط ضجيج العاصمة.
يرقى الفيلم ليكون وثيقة تاريخية سياسية واجتماعية عن الحياة في سوريا بكامل مدنها، وربما عبارة “القوة في البساطة تكمن” هي الأقرب لملامسة روحه، فرغم بساطته التي برزت عبر عفوية كلام الناس، إلا أنه حمل دلالات كثيرة، ربما استشرفت أن هذا الواقع المؤلم سيفضي إلى ما حدث بعد ست سنوات من إنتاج الفيلم، وما رسّخ هذه الرؤية أن المشهد الذي بدأ منه الفيلم انتهي إليه في الختام، إذ الطيور تحلّق حرة في السماء.
شكّلت البداية مدخلاً صادماً عبر جواب رجل عن حلمه بالقول “نسيت أحلامي”، ليأتي صوت نبيل المالح متحدثاً عن المدن المنسية التي كانت عامرة بسكانها وفجأة أصبحت خالية، والكاميرا التي التقطت الوجوه عن قرب بكل ما زخرت به من انفعالات وتجاعيد، جالت ملتقطة تفاصيل واقع الناس، مُنصتة إلى كلامهم عن حالهم وأحلامهم، وذلك في الكثير من الأماكن بما فيها تدمر التي بدت وكأنها بلد مقطوع في الصحراء، ودير الزور والحسكة والقامشلي وعدة مناطق في الساحل، والقرية الصغيرة التي كان فيها ألف منزل وبات فيها 12 منزلاً فقط، ومن ثم العودة إلى دمشق.
كلها نماذج تشاركت في الفقر والقهر والوجع، في الوقت الذي برز فيه كلام نبيل المالح متحدثاً عن الذهب الموجود في سورية من قطن وقمح ونفط وزيتون.
واللافت أن كثيرين أعربوا عن حبهم لقراهم وبلداتهم، مؤكدين أنه في حال السفر سيعودون رغم الفقر، معبرين عن انتمائهم الفطري للأرض والجذور.