جاءت ندوة الترجمة كحدث فكري وثقافي يعيد الاعتبار إلى واحدة من أقدم المهن وأكثرها تأثيراً في بناء التواصل الإنساني، فالترجمة لا تنقل كلمات من لغة إلى أخرى، بل هي نقل فكرٍ ورؤيةٍ وثقافةٍ كاملة، ولهذا كانت الندوة بمثابة مساحة للتأمل في دور المترجم بوصفه وسيطاً حضارياً وصانعاً للجسور بين الأمم.
الندوة، التي جمعت نخبة من الأكاديميين والمترجمين والمهتمين، سلطت الضوء على التحديات التي تواجه الترجمة في عصر الذكاء الاصطناعي، إذ تتسابق الآلات لترجمة النصوص بسرعة فائقة، لكن تبقى الروح الإنسانية التي تمنح النص عمقه ومعناه عصيّة على الاستنساخ، كما ناقشت الجلسات أهمية الترجمة في دعم الحوار بين الثقافات وتعزيز التفاهم بين الشعوب، خصوصاً في عالمٍ تتزايد فيه الحاجة إلى بناء جسور لا جدران.
لا شك أن قدرة المترجم على فهم التنوع الثقافي، وإدراك العادات، والأعراف، والرموز الاجتماعية للغات المختلفة، تعطيه دوراً رئيسياً في تحقيق التفاهم بين الشعوب، في حين أن الذكاء الاصطناعي قد يحقق تقدماً في الترجمة الحرفية، إلا أنه يفتقر إلى القدرة على نقل الروح التي تحملها الكلمات، وهي الجزء الذي يميز الترجمة البشرية.
من هنا، يظهر أن الترجمة ليست مجرد وظيفة لغوية، بل هي فن يتطلب وعياً عميقاً بالشعوب ولغاتها، ليصبح دور المترجم أكثر أهمية، فكل نص مترجم هو فرصة لفهم الآخر، وتحقيق تواصل إنساني أكبر، وهو ما يجعل من الترجمة جسراً ثقافياً لا يمكن الاستغناء عنه.
من هنا تبدو مهنة الترجمة كاستثمار ثقافي طويل الأمد، يتجاوز نقل الكلمات إلى فتح آفاق جديدة للتفاهم بين مختلف الأمم، فكلما تمكنّا من فهم لغات الآخرين، كلما أصبحنا أكثر قدرة على فهم ثقافاتهم، وتبادل المعرفة والأفكار التي تشكل تفاعلنا الحضاري.