المنحة القطرية وجسر الكهرباء.. في زمن ارتفاع الأسعار

الثورة – وعد ديب:

عودة إلى ملف الطاقة في سوريا وخاصة الكهرباء، وعطفاً على التصريحات خلال اليومين الماضيين، وباعتبار أن الطاقة الكهربائية هي أحد الحوامل الرئيسية للتنمية، يشير الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية المهندس باسل كويفي في حديثه لـ “الثورة” إلى تأثيرها العميق على القطاعات الإنتاجية، ويبين أن انعكاسها لا يتوقف عند حدود الاقتصاد، بل يمتد إلى القطاعات التنموية الأساسية مثل الصحة والتعليم، فالمستشفيات والمدارس والجامعات والمراكز البحثية تتأثر مباشرة بواقع الكهرباء، وربما بصورة أكبر من أي قطاع آخر.
وأضاف كويفي: إن ملف الطاقة في سوريا يمكننا الدخول عليه بطريقة أكثر ترابطاً، إذ تناول واقع قطاع الكهرباء بقراءة تحليلية شاملة تمزج بين الجوانب السياسية والاقتصادية والفنية، موضحاً أن أي معالجة حقيقية لأزمة الطاقة لا يمكن أن تنفصل عن التوازنات الإقليمية والدولية التي تحيط بهذا الملف المعقد.

واقع معقد

وقال المهندس كويفي: إن ملف الطاقة والكهرباء في سوريا يتعلق بقضية معقدة تتقاطع فيها السياسة بالطاقة والصراعات الإقليمية من عدة زوايا واقعياً، فالعمل الحكومي والتعاون الإقليمي والدولي هام لحلول مستدامة.
ونوّه إلى أن المنحة القطرية في مرحلتها الأولى لتزويد سوريا بالغاز المسال عبر الأردن، قد تم تنفيذها للمساعدة في رفد هذا القطاع وتشغيله، وفي المرحلة الثانية عبر تزويد سوريا بالغاز الأذربيجاني عبر تركيا لتغذية محطات التوليد في حلب منذ آب ولمدة سنة واحدة.

وأشار الباحث كويفي، إلى أن تدشين خط الغاز الذي يربط سوريا بأذربيجان مروراً بالأراضي التركية يشكّل خطوة استراتيجية على طريق تعزيز أمن الطاقة في البلاد، كونه يسهم مباشرة في تحسين التغذية الكهربائية وزيادة ساعات التشغيل في محطات التوليد، ما ينعكس إيجاباً على الواقع الاقتصادي والمعيشي، ويدعم جهود عودة المهجرين إلى مناطقهم.
موضحاً أن المنحة القطرية في مرحلتيها – بحسب تصريح السفارة القطرية في دمشق – تتجاوز قيمتها 760 مليون دولار، في تأكيد واضح على التزام دولة قطر الثابت بدعم الشعب السوري وتعزيز البنية التحتية الحيوية.
إلا أن كويفي لفت في الوقت نفسه، إلى أن دفع قيمة الغاز واستجراره من أذربيجان عبر خطوط الأنابيب يثير تساؤلات عديدة، بعضها تقني وبعضها الآخر سياسي.

وبيّن المهندس باسل كويفي، أن التحديات التقنية للمشروع تتمثل في مرور خطوط الأنابيب الحالية بين أذربيجان وسوريا عبر عدة دول، ما يستلزم موافقات متتالية ومعقدة، فضلاً عن الحاجة الملحّة لإعادة تأهيل البنية التحتية المتضررة بشدة جراء الحرب.
ورداً على سؤال “الثورة “حول البدائل المحتملة في حال تعثّر تنفيذ المشروع، أجاب الباحث بأن من الضروري – من وجهة نظره – النظر إلى الحلول وفق أفقها الزمني وتأثيرها المتوقع، موضحاً أن الخيارات تتوزع بين قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد.

ففي المدى القصير (الطارئ)، قال كويفي: إن بالإمكان تركيب وحدات توليد تعمل بالطاقة الشمسية في المستشفيات والمدارس، واستئجار سفن طاقة عائمة (Floating Power Ships) لتأمين الكهرباء بشكل إسعافي، بما يضمن استمرار الخدمات الصحية والتعليمية في حدودها الدنيا.
أما في المدى المتوسط (3-5 سنوات)، فأشار إلى أن المطلوب هو إعادة تأهيل الشبكة الكهربائية (محطات وتوزيع) بدعم استثماري خليجي ودولي، إلى جانب إنشاء مشاريع للطاقة الشمسية وطاقة الرياح بالشراكة مع دول الإقليم، ما يتيح رفع ساعات التغذية إلى 12-16 ساعة يومياً، ويقلل الاعتماد على الفيول والمازوت والمولدات الخاصة.

وفي المدى الطويل (5-10 سنوات)، يرى الباحث أن المطلوب إعادة إعمار نظام الطاقة بشكل متكامل يشمل الغاز والكهرباء والطاقة المتجددة، إضافةً إلى الانضمام لمشاريع الربط الكهربائي الإقليمي (مصر، الخليج، أوروبا)، بما يحقق أمناً طاقوياً مستداماً ويسهم في عودة الكفاءات والاستثمارات إلى البلاد.

مضيفاً: يمكن العمل على بدائل فورية عبر تأمين شحنات الغاز المسال إلى ميناء بانياس، رغم حاجتها إلى رأسمال كبير، أو عبر زيادة الإنتاج المحلي من الحقول السورية مثل حقل الشاعر، وإن كانت هذه الخطوة محدودة من حيث الإمكانات.

وأشار كذلك إلى أنه يمكن في المدى الأبعد الاستثمار في حقول الغاز البحرية الواقعة ضمن البلوكات السورية في البحر المتوسط، إلى جانب تحفيز مشاريع الطاقة المتجددة لتقليل الاعتماد على الغاز كمصدر رئيسي.

نحو رؤية استراتيجية

وبرأي الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية، علينا العبور نحو رؤية استراتيجية للمشكلة، فالحل الجذري يحتاج إلى تسوية سياسية في سوريا تفتح المجال للاستثمار في الطاقة وإعادة الإعمار، وكذلك شراكات إقليمية حقيقية بدلاً من الحلول المؤقتة، و تعددية في المصادر لضمان أمن الطاقة.

مؤكداً أن المنح والمساعدات المؤقتة – رغم أهميتها الإنسانية – لا يمكن أن تشكّل حلاً لأزمة الطاقة الهيكلية في سوريا، فالحل المستدام يتطلب استقراراً سياسياً واستثمارات طويلة الأمد، مع موازنة دقيقة بين متطلبات الواقع الحالي وطموحات المستقبل، وفهمٍ عميق لتعقيدات المشهدين السوري والإقليمي.

وختم حديثه، بالتأكيد على أن المنحة القطرية تُعد خطوة إنسانية مشكورة، لكنّها يجب أن تكون جسراً نحو حلول هيكلية وليست بديلاً عنها، قائلاً: إن المعادلة الحقيقية التي ينبغي العمل عليها هي: استقرار سياسي + استثمارات هيكلية + تعاون إقليمي = طاقة مستدامة + تنمية حقيقية.

مشيراً أنه على سوريا أن تنتقل من مرحلة “إدارة الأزمة” إلى مرحلة “بناء النظام الطاقوي المستدام”، وذلك وحده الكفيل بإعادة النبض إلى الاقتصاد والحياة، وصناعة مستقبلٍ منيرٍ يستمد طاقته من إرادة السوريين على النهوض، لا من ظلام الأزمة، لتبقى الكهرباء عنواناً للتنمية ورمزاً لعودة الحياة إلى الوطن.

آخر الأخبار
وفد  "كوفيكس" الصينية يبحث سبل التعاون مع غرفة تجارة وصناعة درعا استراتيجيات القطاعات الاقتصادية في عهدة هيئة التخطيط والإحصاء  خبير قانوني : الاعتداءات الإسرائيلية خرق للقانون الدولي المهارة تنمي شخصية الأطفال وترتقي بهم  في تطورات تعرفة الكهرباء.. مقترحات لجمعية حماية المستهلك تراعي القدرة الشرائية ما أسباب التحول الخطير في النظام النووي الدولي؟ اعتراف سوريا بـ كوسوفو... بين الرد الصربي وحق تقرير المصير الشتاء أفضل من أي وقت آخر لمعالجة الأشجار المثمرة الشيباني: الشرع يزور واشنطن وسوريا ماضية بخطا واثقة نحو ترسيخ الاستقرار تلميحات أميركية لاتفاق نووي سلمي سعودي-أميركي بلاغات الاختطاف في سوريا.. الواقع يدحض الشائعات "الداخلية" تستعرض ما توصلت إليه لجنة التحقيق عن حالات خطف في الساحل "الزراعة" تزرع الأمل.. مشروع الغراس المثمرة يدعم التنمية الريفية "دير الزور 2040" خطة طموحة لتنمية المحافظة وتحقيق الاستدامة الاقتصادية الشيباني يبحث مع نظيره البحريني تعزيز العلاقات وآفاق التعاون المتسول من الحاجة إلى الإنتاج جلسة خاصة حول إعادة إعمار سوريا ضمن أعمال "الكومسيك" في إسطنبول  الدواء والمستشفيات محور شراكة سورية ليبية مرتقبة التحولات الإيجابية في سوريا تقلق الاحتلال وتدفعه للتوغل في أراضيها الأسباب والتحديات وراء الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا