ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
من البديهي أن تستعيد الأولويات -الملتبسة لبعض الوقت- وضوحها، حين يدور النقاش حول الإعلام ودوره في المواجهة المفتوحة مع الإرهاب، في ظل تزاحم أوضح بينها على انتزاع الصدارة تحت ضغط الحاجة الملحة.
ما يدفعنا إلى ذلك ما جرى تداوله على مدى اليومين الماضيين في المؤتمر الإعلامي الدولي لمواجهة الإرهاب التكفيري، وما قدمته النقاشات من زوايا كانت مرئية ظاهريا، لكنها لم تكن مضاءة بشكل يكفي لقراءة الجزئيات المحيطة بكل ما فيها، وبكل ما يمكن أن يترتب عليها في ظل مشهد يتراكم من حوله وبالاتجاهات الأربع الكثير من التحولات التي فرضتها – أولاً وقبل أي شيء آخر- تلك التراكمات التي باتت نوعية بحكم الأمر الواقع.
عند هذا المستوى تتحرك المؤشرات على أن الإعلام لم يعد ذلك المتأثر بما يجري فقط بقدر ما تحول إلى مؤثر فعال، إن لم يكن وحيداً وربما متفرداً في بعض الأحيان، حيث مارس سطوته بشكل لا يخلو من التعسف والانتقام، حين تحولت أدواته والجزء الأكبر من منظومته الامبراطورية إلى محرك للأحداث من دون أي تورية في التوصيفات أو الوظائف بشقيها التقليدي والمستحدث، خصوصاً مع هجومه الذي كان مباغتاً، وربما مفاجئاً في بعض درجات صعوده الحاد، ليشرف على إدارة ما يستلزم من حروب الوكالة أو الأصالة.
على الضفة المقابلة كانت عوامل الوجود للإعلام المقاوم، وحتى الفعالية مرهونة بعوامل ومحددات تشتق وجودها من عناصر الصراع ذاته، والتي بدت أكثر مقدرة على فرض معطياتها، بعيداً عن النظريات والحسابات الرقمية التي تراجعت إلى مراتب متأخرة، وغير منظورة في صراع وجود حتمي فرضته صيغ الإرهاب التكفيري، بحيث لا يقبل القسمة ولا يحتمل التأجيل، وفي نتيجة لا تستطيع الأخذ بنصف الحلول أو بعضها، ولا تقدر على التعامل دون أن تأخذ بالاعتبار ما تمليه الشروط الموازية لها.
الفارق أن اتساع مساحة التداول في الصيغ أفضت إلى تحليل عميق لمنظور العلاقة القائمة بين الإعلام والإرهاب، وإلى محددات إضافية للصراع، حيث الإعلام المرافق والموازي والداعم للإرهاب لم يترك فرصة لالتقاط الأنفاس، وهو يعد اللحظات قبل الدقائق والساعات قبل الأيام كي يحسم المعادلة، أو يعيد ما هو موجود وفق مشيئته ومصلحته، فيما الإعلام المقاوم يشتق عوامل قوته من ثباته وإصراره وعزيمته، ومن الإرادة التي قدمت مقاربة متطابقة للإرادة السياسية والقتالية بالصمود والتضحية من دون تراجع، رغم أن الإمكانات والطاقات وربما الأدوات متباينة في بعض الجوانب على الأقل.
المقاربة التي قدمتها مداولات المؤتمر الإعلامي الدولي لمواجهة الإرهاب التكفيري في دمشق، تبدو بشهادة جميع المشاركين مختلفة، وبعضهم يمتلك رصيداً من المشاركات في المؤتمرات والتوصيات والقرارات، ويحفظ عن ظهر قلب الأجواء وما تعنيه، وأغلبهم يرى إن لم يكن جميعهم أن تلك الأجواء امتلكت من الجدية ما يدفع إلى الجزم أن الأمر ليس فقط انعطافة في المواجهة، بل نقطة مفصلية في محاكاة الحاجة لإعلام لا يكتفي هنا بتقديم التضحيات والصمود والثبات، بقدر ما يبادر إلى المواجهة من منظور القدرة والإيمان بما حققه، وما تراكم عملياً من إنجازات سيكون من الصعب تجاهلها بعد اليوم، وتحتاج إلى خطوات تحتم المضي في الأرضية التي هيأها المؤتمر ، وما انعكس منه في إعلان دمشق الصادر عنه.
الحديث سيطول، والرصد سيستمر، خصوصا أنه لا ينفك عن أجواء الترقب السياسي، ولا يبتعد عن ظروف الانتظار الذي يتوافق مع مناخات أقرب إلى الإقرار أن الكرة التي تدحرجت ستترك خلفها مساحات كبرى، توفر الإجابة عن أسئلة محورية تجزم بالانطلاقة القادمة التي يؤكد فيها الإعلام أنه قطار المواجهة مع الإرهاب التكفيري.
a.ka667@yahoo.com