ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير علي قاسم:
لم يكن طلب لافروف عدم الاستماع إلى تصريحات البنتاغون مجرّداً من خيوطه السياسية المتعلقة بما دار في الغرف المغلقة، أو بما جرى في الممرات الضيقة في المنظمة الدولية، التي كانت شاهداً على تشابكات في اللقاءات والبروتوكولات المؤجّلة بحكم الضرورة،
حيث لا تستطيع أن تخرج من سياقها، ولا أن تكون بعيدة عن قواعد الاشتباك الدبلوماسي الرائج والمزدهر بقوة في الأروقة الجانبية للاجتماعات وما بعدها.
وبالمقابل.. لا أحد يستطيع أن يتجاهل حدود الثرثرة واللغو في الخطاب الغربي وما يوازيه إقليمياً، حيث يتحوّل إلى هرطقة في بعض الأحيان،وهلوسة في أحيان أخرى، خصوصاً مع ارتفاع وتيرة الخطوات العسكرية الروسية التي بدت سابقة لمثيلتها السياسية، وفي بعض الأحيان غير مرتبطة بها بشكل مباشر وفوري، والتي تشي بأن السياسة وما يدور في أروقتها مجرد قنابل دخانية أو صوتية.. ضجيجها أكبر بكثير من مفعولها، حيث كل طرف أخذ قراره والسباق الحاصل لا يتجاوز حدود تحصيل النقاط، لأن الكثير من الجولات انتهت بالضربة الشرعية والقانونية، التي لا ينفع معها البحث عن النقاط.
في المبدأ.. بات من المحسوم عملياً أن الوضع في المنطقة لا يحتمل التثاؤب أو التسويف، في وقت تجثم سياسة حافة الهاوية على نقاط التقاطع كما هي حاضرة في زوايا الاختلاف، وليس بمقدوره أن يستوعب أكثر مما هو قائم اليوم، حيث تبدو أي إضافة غير محسوبة كافية كي يطفح الكيل، خصوصاً عندما تبدأ ألسنة حمقى السياسة الإقليميين بالتلويح بخياراتهم التائهة.
السباق على أَشدّه بين تصريحات تتزاحم على الوعود، وخطوات تتحرك نحو محدّدات، تبدو منضبطة وهي ترسم مشهداً تنافسياً في سياق البحث عن الأجندات التي تنشغل واشنطن في زواياها المنسية تلمُّساً للقطبة المخفية في أبعاد ومفاهيم ما أنتجته الخطوات الروسية، من دون أن تُبدي الجرأة في مقاربتها، حيث محاولة سرقة مكافحة الإرهاب وسحب البساط من تحت الأقدام الروسية بَدت عبثية ومن دون طائل.
فالحراك الروسي لا يقف عند التهويل والضجيج الغربي، ولا تستوقفه بعض المشاهد الدخانية المتعمّدة للتشويش على مشهد الاصطفاف الجديد داخل العلاقات الدولية، وما أفرزته من محدّدات تستبعد من قاموسها لغة الأخذ بالترّهات وما سيتراكم بعدها من مكونات إضافية، ينتمي أغلبها إلى نموذج المراهقة السياسية، سواء جاءت أصالة عن مروجيها أنفسهم أم بالوكالة عن الأميركي، خصوصاً أن المواجهة لا تكتفي بخنادق ثنائية متقابلة، ولا تقتصر على جانب خلاف بهذا القدر أو ذاك، بقدر ما تعكس تعارضاً في المحدّدات المستندة إلى الشرعية الدولية والقانون الدولي التي تبحث واشنطن عن مخارج بعيداً عنها.
بهذه المحدّدات تأتي محاولة السطو الأميركي لاحتكار محاربة الإرهاب كما تريده، متأخرة كثيراً، ومن دون جدوى، ولا تمثل في أحسن أحوالها أكثر من مشاغبة تضيف عليها صبيانية بعض أدواتها الكثير من الطرافة السمجة، وتحديداً السعودية ووزير خارجيتها عندما يتحدث عن الخيار العسكري، أو يطالب بدولة مدنية على غرار ما تملكه مملكة الرمال من «عراقة» غير مسبوقة في تاريخ البشرية «بالديمقراطية والمدنية»..!!
والفارق هنا ليس بمعيار المقاربة الجزئية لبعض التفصيلات، ولا في حدود المشاهد المجتزأة، بقدر ما تتعلق بأن الإرث الحضاري والإنساني بنكهة الشرق يفرض حضوره الواضح في سياقات الحراك، ويطرح حجماً هائلاً من تراكمات الاختلاف، والجدية في مواجهة الإرهاب باعتباره تهديداً للجميع، وأن حقبة توظيفه السياسي لغايات وأهداف وأجندات قد أسدل الستار عليها لحظة حضر الروسي.
التثاؤب الأميركي على حافّة الهاوية المزمن والمتلون وفق هذه الوقائع، لم يعد خياراً قريباً أو بعيداً، ولا هو في سياق التحليل المبني على افتراضات، بقدر ما يعكس بقايا خيبة وحالة عجز، لن تكتفي بكشف خبايا وخلفيات ما يتم تظهيره من خيارات مفلسة.. أو إشهار لأوراق محروقة في قواعد اشتباك إضافية، بل تحدد ملامح الحقب الفاصلة في التاريخ، ولا تستبعد من قاموسها الرغبة في محاكاة الواقع من منظور الشرق وفهمه لمشهد الحراك، وما سيتراكم حوله من تجارب لاحقة تعيد صياغة المشهد العالمي وفق استراتيجية المنطق التي غابت في حقب الهيمنة الغربية، وضاعت في سراديب التثاؤب الـمُمل على حافّة الهاوية.. !!
a.ka667@yahoo.com