ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
يفتح حضور القرارات الدولية المتتالي الباب على مصراعيه أمام مؤشرات شتّى، ليس آخرها ما يدور من صراع على المرجعيات وهوية الصراع، ولا على ما ستؤول إليه مواجهات الإرادات الدولية بشقّيها المتأزّم والمنفرج على أكثر من صعيد،
حيث الاجتهاد في التفسير والتأويل يظل محاكاة لجزء كبير من التمنيات، التي عجزت المفردات والكلمات عن تضمينها في نص سبقته نصوص عديدة وستأتي بعده نصوص أخرى، وستبقى تعاني من العجز ذاته.
والواضح أن إرادة التنفيذ كانت وستبقى الاختبار النهائي للنتائج، والتي على ضوئها سيتحدد الفصل بين الواقع والتمنيات، من منطلق المقاربة القائمة على محاصصة المفاهيم لتكون حلول وسط بين متاهة من التسريبات والتجاذبات القائمة على قاعدة من التفاهمات المؤقتة أو المحكومة بفعل عوامل الصراع المتجدد على المصالح، بما تعكسه من مراجعات مُلحّة لقواعد الاشتباك في العلاقات الدولية وإسقاطاتها الإقليمية، ودور التمويل في صنع الإرهاب وإنتاجه وإدارته وتوجيهه.
فقبل أن تُنهي في العادة جلسة مجلس الأمن الدولي مداولاتها والاستماع إلى الكلمات التوضيحية لأعضائه، تكون حرب الاصطياد في التفسيرات قد بدأت، بل في بعض الأحيان تأتي مسهبة في كلمات الأعضاء مستبقة جفاف الحبر الذي كُتب به القرار، وهي تحيك ما لدى دوله من هواجس وتمنيات لم يكن بمقدور القرار الدولي أن يستجيب لها، ولا بمقدور المجتمع الدولي ممثلاً بإرادته الأممية أن يضيّع المزيد من الوقت في الاستماع لأحجياتها.
ورغم ما ينتاب النص من محاصصة واضحة في سياق عمومي يصعّب من مهمة التنفيذ، حيث وقف تمويل الإرهاب الحاضر في القرار الأممي قبل الأخير يبدو شاهداً من تجاربه السابقة ومُلحّاً في طرح المزيد من الأسئلة على المحتوى ذاته، فإن القراءة تفضي إلى أن النيات ستبقى حاضرة في المقارنة بين ما يصح وبين ما لا يمكن أن يجوز تحت أي عنوان، خصوصاً لجهة المسؤولية الملقاة على الضمانات التي يمكن للأمم المتحدة أن توفرها في ظل غياب الإرادة لكثير من الدول الإقليمية وغير الإقليمية.
في التجارب العديدة كانت هناك مرارة لا تخفى على أحد، وثمة من يريد النفخ في القربة المثقوبة، وكأن الخلاف قائم على المسائل السياسية بما يعنيه من تحوير لهوية الصراع ومساره، لأن المشكلة كانت وستبقى في الإرهاب ومن يمثله، والخطير أن هناك من يريد أن يمسح الذاكرة السورية من الوجود، أو التعاطي معها بانتقائية ظالمة أكثر مما جرى حتى الآن، إذ إن القضية ليست في الحاجة لخارطة سياسية رغم ضرورتها بقدر ما تتعلق بالإرهاب وتمويله وإنتاجه وتوظيفه، والمعاناة التي يواجهها السوريون نتيجة الفظائع التي تُرتكب بحقهم على مدار الساعة.
على هذه القاعدة تلوح العودة إلى المربع الأول في أفق جدل لا يقدّم ولا يؤخِّر، مع يقيننا بأن النية الحسنة لدى كثير من الأطراف الدولية حاضرة وموجودة، لكن ثمة ثابت فعلي يجتمع حوله أغلب السوريين ويجمعون عليه بأن تجفيف منابع الإرهاب وحده يحلّ معظم المشكلة، لأن ما يبقى من زوايا ومساحات مواجهة مع الإرهابيين حينها يتكفل بها السوريون، وهذا ما تدركه الأمم المتحدة والمجتمع الدولي دولاً وشعوباً.
القضية ليست في نصوص جميلة وصياغة مُحكمة للمفردات والتعابير والمصطلحات، ولا في محاصصة على تقاسمها أو فرضها، بل على هوية الصراع ومرجعياته المتدرجة التي ستحسم هوية سورية والمنطقة، وحتى اتجاهات المشهد الدولي، وتلك هي الإجابة التي ينتظر السوريون أن يحددوا مفرداتها قبل أي شيء آخر، حيث المواجهة مع الإرهاب لا ترتبط بالعامل السياسي ولا هي في صياغة مفاهيم عائمة قد تصلُح في صراعات أخرى وفي مواجهات أخرى، ولكن في الصراع الذي تشهده سورية لا حظوظ لها، وتجارب السنوات الماضية خير دليل وبرهان.
والمعضلة ليست في مواعيد وتواريخ تئن من ثقل استحالتها ولا هي في الاستحقاقات، ولا في تسميات مختلفة، بل في مَن يريد أن يقدّم الضمانات عن وقف تمويل الإرهابيين وتسليحهم ووقف تدريبهم، وإلى أين يريدونها أن تصل وعلى أي أساس، وفي مَن يضمن للسوريين حياتهم وأمنهم من إرهاب المسلحين والمرتزقة وتنظيماتهم الذين يريدون تعويم هوياتهم وانتماءاتهم وأدوارهم ووظائفهم.
يستطيع المجتمع الدولي وإرادته الأممية أن يُصدر ما يشاء من قرارات، لكن للسوريين سؤال وحيد ويتيم ومُلحّ: متى يتوقف تمويل الإرهاب وتتوقف الدول الإقليمية والغربية عن دعمه، ومتى تُقفل معابره؟!
وإذا ما استطاع أحد أن يجيب، فحينها سنقول إن الحلّ قد بدأ، وإلا ستبقى سوق المبازرة والمتاجرة مفتوحة على مصراعيها لبيع أوهام لا أكثر ولا أقل.
a.ka667@yahoo.com