ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
رغم أن سيل الحديث عن الاتفاق السوري الروسي لم ينته، ولا يبدو أنه مرشح لذلك في القريب العاجل، فإن الحقيقة الواضحة للعيان أن الستار أسدل على فصل مهم ومفصلي، ثبّت من خلاله الدور الروسي نقاط حضوره على الساحة الإقليمية، كما هو على الساحة الدولية.
والمنطقي بعد سلسلة من المقاربات والتصريحات وحتى التطورات أن يتجه الحديث عما سيلي ذلك، أكثر من التمترس عند أسبابه وتفسيراته المختلفة، والتأويلات المصاحبة له، والتي لن تنفع في شيء، في محاولة لشد عكسي لم يستثنِ من بنوده الزمن هذه المرة، حيث النقلة النوعية الروسية على رقعة الأحداث كانت أكبر من كل التوقعات الغربية، وهي بالتأكيد أكبر من قدرة الأدوات في المنطقة على فهمها أو استيعابها، بحكم العوز المناعي في مفهومي السيادة واستقلالية القرار، والتي لم تعرفها يوماً، وبالتالي سيكون من المستحيل أن تتمكن من إدراك معناه ومقتضاه، وما يتطلبه.
ما تجتمع عليه الأدلة والقرائن تباعاً أن القرار الروسي كما هو الصمود السوري، أصاب الدوائر الغربية بدوار لا تزال تعاني من ارتداداته، ولا تزال تعيد رسم افتراضاتها على تهيؤات وتمنيات أكثر مما هو قائم على قراءة منطقية للسياسة الدولية وما طرأ عليها من تغيرات استراتيجية، بحيث أن فارق الناتج بين ما توصلت إليه تلك الدوائر وبين الوقائع المسندة إلى مسوغات واقعية وعملية، يزيد صعوبة مهمة تلك الدوائر، ويضيف إليها أجندات تضيّق عليها الخيارات، حالها في ذلك حال البقية في بقاع شتى من العالم.
المفارقة أن الكثيرين ممن تنطحوا لتفسير الخطوة الروسية وتوضيح أبعاد الاتفاق مع سورية فيها والتنسيق المسبق، يصلون إلى حائط مسدود يصعب عليهم قراءة المشهد بهدوء أو تروٍّ، وبعضهم يحاول أن يجتر من دفاتر قديمة تم إغلاقها منذ زمن بعيد، أو اللعب بأوراق فقدت صلاحيتها وانتهت فعالية استخدامها، من خلال التنغيم على فرضية الخلاف هنا أو الاختلاف هناك، رغم أن تدرّج الأحداث الذي تلا الإعلان عن الاتفاق يرجح كفة السوريين والدولة السورية، وحتى الجيش السوري، كما هو يخدم المسار السياسي، وحتى الجهد الدولي لمحاربة الإرهاب.
الواضح أن هناك من توقف عنده الزمن في اللحظة التي سمع بها بالاتفاق وبالإعلان عنه، وكثير منهم لم يقرأ سوى العاجل الأول منه الذي جاء بصيغة مرتبكة تعمدها وراح يجتر في الافتراضات الموازية لها أو المطابقة، ويغرف من تمنياته، ولم يدّخر ما تبقى منهم جهداً في تفريغ أحلام يقظة إضافية ليدلي بها في سوق مبازرة سياسية بدت مكتظة بالأوهام والحسابات الخاطئة.
الأخطر، أن بعض الدول راحت تبني أيضاً على ما تجمع من تحليلات واستنتاجات متسرعة، ووفرت لها مسارات خاصة أبقتها داخل القراءة الافتراضية وكل الإضافات القادمة من دمشق ومن موسكو، وكل الوقائع الميدانية على الأرض التي تدحض تلك الافتراضات، لم تتح لها الخروج من شرنقة الوقوف على تمنياتها في رهان على وَهْم كان يتبدد مع كل تطور سياسي لاحق، بل وفي كثير منه كان يؤشر إلى منحى المعادلات الإضافية ببُعدها الاستراتيجي التي لا ترتكز فقط على معيار الدور الروسي في المنطقة، وإنما على مستوى ما حققه التنسيق مع سورية.
فما يتضح من النتائج الأولية أن هذا التنسيق ومع مجموع الحلفاء يبقى بوصلة متحركة في الاتجاهات الطبيعية الصحيحة ووفق معايير المصلحة الدولية في مواجهة الإرهاب، وفي الوقت ذاته أمّنت مخارج وخيارات تحفظ ماء الوجه لمن بقي في وجهه بعض الماء، ووفرت سلّماً للنزول عن الشجرة التي اعتلاها الأميركي أولاً، ولحق به غيره، وإن كان بعضهم بالغ في صعوده، بحيث يصعب عليه النزول، حتى لو قدمت له كل السلالم المتوافرة، وأن التعاطي معه يحتاج إلى مقاربة أخرى تبدأ من تفعيل قرارات مجلس الأمن الخاصة بتجريم دعم الإرهاب وإلزامية تجفيف منابع تمويله.
إن التمترس عند اللحظة التي أوصلت الاتفاق السوري الروسي إلى العلن لن يحمي أدوات إقليمية تورّمت بها الأوهام، ولن يضيف إلى أدوارها الوظيفية ما يشفع لها استمرارها، ومحاولة توقيف الزمن للغو على هوامشه المتشكلة، أو للعبث فيما يعلق به بين الفينة والأخرى من تقولات غير دقيقة، لن تعدّل في المناخ السائد، بعد أن جزم الأميركي على لسان كيري -حتى لو لا ثقة لأحد بما يقوله- أنها فرصة يجب عدم تفويتها، فهل يفهم رعاة الإرهاب والمعوّلون عليه في الإقليم وخارجه معنى الرسالة الأميركية، وفي المقدمة أن عقارب الساعة لا تتوقف عند حدث، والأهم أنها لا ترجع إلى الخلف.. لا بالأحلام ولا بالتمنيات ولا بغيرها والزمن لا يعود خطفاً؟!!
a.ka667@yahoo.com