ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـلي قــاسـم:
فقدت البيانات الروسية الأميركية زخمها المعتاد، وتلاشت القراءة الطويلة والمتمعنة للمفردات والمصطلحات والأفكار والطروحات، خصوصاً حين تذيّلها أو تتصدرها الديباجة المعهودة عن الاتفاق على دفع جهود العملية السياسية قدماً،
فيما الوقائع على الأرض، وتحديداً من الجانب الأميركي تكون في مقلب آخر، حتى إن البعض لم يعد يشعر بالحرج حين بات يربط بين كل بيان مشترك، وجولة إضافية من التصعيد السياسي والميداني.
وفقدَت أحاديث التنسيق وغرف العمليات المشتركة ما كانت تُحدثه من إثارة، وما تخلقه أحياناً من فجوات أمل في مناخ من سراب وسط رحلة الوَهْم، فيما الاستثناءات القائمة أحياناً أو الساعات الفاصلة لا تعدو كونها مرحلة تحضير لتلك الجولة القادمة ريثما يتمكن الأميركي بالأصالة عن نفسه أو بالوكالة عن أدواته إظهارها، حيث لم يفصل بين البيان الروسي الأميركي الأخير عن ضرورة تحديد التنظيمات الإرهابية، وتلك التي تراهن أميركا على اعتدالها، سوى أقل من أربع وعشرين ساعة حتى كانت أميركا ومعها أيضاً فرنسا وبريطانيا تجهض طلباً روسياً في مجلس الأمن بإدراج جيش الإسلام وأحرار الشام على لائحة التنظيمات الإرهابية.
لا نعتقد أن هناك من لديه أوهام في المسعى الأميركي الذي يدفع بالعسكرة والميدان لتكون ورقة المقايضة البديلة عمّا يلحق به أو بمرتزقته ومُشغّليهم من هزائم عسكرية واضحة، ومن فشل وخيبات على الطاولة التي تُلزم بها أدواتها بدافع الحرج السياسي، حيث تتقاطع الآراء وربما تتطابق بأن المراهنة على الرغبة الأميركية في الحل السياسي ليست في موقعها، وأن ما تُبديه من حرص في الكلمات والتصريحات يقابله حرص أشد على الإرهابيين، وإصرار أكبر على حمايتهم مع مُشغّليهم حتى إشعار آخر.
الأسباب والدوافع الأميركية وراء ذلك لا تخفى على أحد، فيما الذرائع تبدو أكثر مدعاة لـتأكيد المؤكد، بما فيها الحجة المثيرة للسخرية حول الدفاع عن المسار السياسي، التي جاءت أقبح من الذنب ذاته، حين افترضت أن مجرد قبول تلك التنظيمات بالعملية السياسية يكفي لحمايتها من دمغة الإرهاب التي تحملها، في وقت لا يخفى على أحد في هذا العالم مدى ارتباط التنظيمين بالقاعدة ومدى التعاطي الإرهابي والخطر الذي يمثلانه تحديداً على المسار السياسي.
الأدهى من ذلك ما يوازيه من تجارب لا تبدو مريرة مع الأميركي فحسب، بل محبطة إلى درجة أن مجرد التعويل عليه في مسألة مكافحة الإرهاب أبعد من وَهمْ، وهو ما بات مثبتاً بالوقائع والقرائن.
لكن في الوقت ذاته يبدو بديهياً أن نعرف وندرك، والعالم معنا، لماذا عجز المجتمع الدولي حتى اللحظة عن إنجاز أحد أهم المتطلبات الواردة في القرار الأممي 2254 حول تحديد المنظمات الإرهابية، وكم كان من الخطأ توكيل المهمة للأردن وهو العاجز عن التحرك أبعد مما هو مسموح له أميركياً، والمقيّد حتى التخمة بما تمليه الأجندة الغربية والخليجية.
وفق هذه المعطيات سيكون من العسير الحديث عن المسار السياسي الذي يبدو واجهة لنيات لم تعد خافية على أحد، وذريعة لمزيد من تمييع الموقف تجاه مكافحة الإرهاب، بل تم استخدامه كمنصة لبعثرة جهود محاربة الإرهاب، التي كلما أعطت نتائج واضحة في الميدان تم اللجوء إلى الصيغة الجاهزة المعروفة، والعزف على الأسطوانة المشروخة من أجل وقف انهيار التنظيمات الإرهابية وإعادة ترميم صفوفها ومعنوياتها، وتشكيل غرف عمليات إضافية مع صفقات تسليح يفاخر جبير آل سعود بأنها باتت أكثر قوة وفتكاً!!
أميركا هي ذاتها أميركا وإدارتها في أشهرها الأخيرة لا تختلف كثيراً عمّا كانت عليه في أولها ولن تختلف، وتمسكها بالإرهاب ليس جديداً واستغلاله لأهدافها وأجنداتها لم يتبدّل ولن يتبدّل، ودفاعها عن تنظيماته عملياً ليس مفاجئاً ولا هو أمر غير محسوب ومعروف ومأخوذ في معادلات السياسة كما هو في الميدان، حيث التسليح والتدريب وحتى التمويل القادم من المشغّلين الإقليميين يتم بتوقيعها ولو كان غير مكتوب أو مُسجّل، فيما حديثها عن الحل السياسي ليس أكثر من غبار تثيره معارك الإعلام ومنابر السياسة وجلسات المحللين، وما عدا ذلك ليس أكثر من سراب في رحلة وَهمْ طويل..!!
a.ka667@yahoo.com