ثورة أون لاين – خالد الأشهب:
لعله من الإشارات الطارئات العابرات التي ربما لا ينبغي للمرء أن يتوقف عنده طويلاً، لكن العمق الذي ذهب إليه يستدعي بالضرورة وضعه على الطاولة مجدداً، وقراءة ما بين سطوره والكلمات..
ذلك «البوح» الذي أدلى به الفنان السعودي ناصر القصبي في هيئة تغريدة تويترية في أعقاب ما أعلن أنه إعادة هيكلة جديدة في مملكة الرمل، ومن ضمنها إحداث «الهيئة العامة للترفيه» حيث علق الفنان القصبي قائلاً : «إنشاء هيئة عامة للترفيه سيعيد إنسانيتنا التي فقدناها منذ عشرات السنين ، وسنصبح مثل بقية خلق الله بشراً طبيعيين».. مضيفاً: «الترفيه سيهذب ليس أرواحنا فقط ، بل حتى أخلاقنا»!!
بعض السعوديين أثنوا على الفنان القصبي وتغريدته، لكن أغلبيتهم الساحقة هاجمته بعنف ينضح تعصباً وثأراً، وجميعهم كشف، دون أن يدري، عن حالة احتقان اجتماعي وثقافي فريدة من نوعها في مجتمعات القرن الواحد والعشرين.. حالة باتجاهين :
الأول: أن جزءاً من السعوديين ولو كان قلة قليلة، يعيش ويتنفس تحت رماد جفاف اجتماعي انساني ثقافي لا يقل جفافاً عن رمال الربع الخالي .. لا بل لعله أكثر منه وطأة، ويستشعر من موقع العجز والاستسلام بيئة العفونة والتخلف التي تحيط به من كل جانب وليس له إلى الخلاص منها سبيلاً!
والثاني : أن الجزء الأعظم من السعوديين يعيش تحت الرماد ذاته لكنه لا يتحسس وطأته ولا يشعر بها، ويستشعر بيئة العفونة والتخلف التي تحيط به لكنه يألفها ولا يريد فكاكاً منها، فقد غدت ذاته التي .. إن انسلخت عنه فستسلخ معها جلده!!
القصبي في تغريدته غير المألوفة قرر : أن السعوديين فاقدون إنسانيتهم منذ عشرات السنين «وأفهم أنه يقصد حقبة حكم آل سعود» وسيستردونها رويداً رويداً، وأنهم ليسوا طبيعيين مثل بقية خلق الله لكنهم سيصبحون كذلك مستقبلاً، ثم يضيف: إن أرواح السعوديين وعرة خشنة لكن الترفيه سيساهم في تهذيبها وترقيتها، وأن أخلاقهم ليست على ما يرام انحطاطاً أو اعوجاجاً والترفيه أيضا سيهذبها ويؤنسنها ويرتقي بها؟
لعلها المرة الأولى التي يصنف فيها سعودي نفسه وقومه بما هو وهم فيه وبما يجب أن يكون ويكونوا عليه، وإذا كنت أسجل لهذا الرجل جرأته غير المسبوقة، وارتقاءه اللافت وتمرده على قطيعه والتغريد خارجه بصدق وصراحة، فإني أسجل عليه أيضاً كفايته بالترفيه مخرجاً له ولقومه.. اللهم إلا إذا كان يعتبره خطوة أولى وحسب .
ليس ثمة مال.. مهما فاض واستفاض في توظيفاته يمكن أن يقيم حضارة، فإذا اشتراها فإنه لن يفهمها ولن يتمثلها أو يعيد انتاجها، بل إنه يستهلكها ويبددها خبط عشواء في تلبية الغرائز وإشعال الأحقاد والحرائق. وإذا كان لبعض «الهيكلة» الخارجية في بلاد الرمل والظلمة أن تضفي مسحة من ضوء أو تصنع واحة ضيقة عابرة، فإنها ستعجز حتماً عن استعادة أنسنة مفقودة أو لم تولد بعد إن لم تمس العقل تنظيفاً وإعادة بناء.. وهنا المعضلة ؟