ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير-علي قاسم:
تحل ذكرى النكبة.. ولم يكتف العرب بما ورثوه من سنوات القحط والتشـرذم والفرقة والضعف، ولم تقف عند حدود أو مساحات الأقوام والقبائل والعشائر، بل أضافت إلى يومياتها ما هو أخطر من الإرث الممزوج بشواهد الأمراض المستجدة على قاموس وجودهم،
وباتت الأعراب الناطقة باسمهم والمسيّرة لشؤونهم والحاكمة لهم بأمر من الوهابي والصهيوني الذي خرج من نفق التحالف المضمر والمخفي إلى المعلن والـمُشهر، وتحولت الأرض العربية إلى جزر مقطعة هذه تصلح لهذا.. وتلك أرض خصبة لذاك، وبينهما تضيع البوصلة وتحيد القضية عن الطريق.
والهموم لم تعد هموماً عربية محضة أو خالصة، بل باتت خليطاً من همٍّ يتوالد بالصدفة ويعيش على الصدفة ويموت بالصدفة، والأزمات لم تعد حكراً على ما يعانيه العرب من تشرذم، بل باتت مزيجاً من مشاكل يشاركهم فيها الكون كله، وتفصيلاً إضافياً في معضلاته القائمة منها أو تلك التي جاءت إلى حيث لا مكان للعرب إلا الكومبارس المنسي في زوايا المسرح السياسي، أو منصة لحروب الآخرين وحساباتهم.
وحتى الطاولات المفرودة للعرب ومشاكلهم وأزماتهم ليست جميعها لهم، بل في أغلب الأحيان أو دعوها رهينة لدى الآخرين وبقوا في الصف الأخير أو ما قبله بقليل، وبعضهم سلّم قيادتها وحلولها وتفصيلاتها الإضافية، لتكون جزءاً من المبازرة على المشهد العالمي، ونوعاً إضافياً من الهرطقة السياسية في متاجرة رخيصة بوجودهم ومصيرهم وهويتهم، وأحياناً أو في كل الأحيان ليسوا أكثر من فرق حساب، لا قيمة سهمية له، ولا وزن اعتبارياً يمكن أن يحصِّنه.
النكبة لم تعد في فلسطين وحدها، والصراع الوجودي لم يعد حكراً على فلسطين وأرضها وهويتها ولا على التهويد، والاحتلال لم يعد تهديداً حقيقياً ووجودياً لفلسطين من دون غيرها، بل بات قاب قوسين أو أدنى في مشارق العرب ومغاربهم، ولم تعد السكين الصهيونية وحدها، ولا الأميركي الراعي الحصري لها، بل أضحى أيضاً برعاية خليجية ووهابية، تمتشق سيف حقدها من بقايا المرتزقة والإرهابيين وتنظيماتهم، التي باتت تزيد على عدد الأعراب ونماذجهم، وصار لكل أعرابي جمع من تنظيمات ووكلاء وممثلين ومفاوضين على الطاولات في الأروقة الغربية وبين كواليس عواصمها المفروشة على الوجع العربي.
والنكبة باتت نكبات، والعرب في قرارهم ووجودهم وجامعتهم، وحتى كعبتهم باتوا نفراً إضافياً في لائحة الأعراب التي ما فتئت تقود الحروب والمغامرات، وتقامر بآخر ما في الجعبة من حدود المتاهة المرسومة على وجع عربي لا ينتهي، وآلام أمة تزيد من وطأتها حروب الوكالة والأصالة والحزم والعواصف والشدة والردة واللائحة تطول، وما تبقى يراد له أن يكون مجرد نتف مشرذمة وفصائل متقاتلة ومتناحرة على فتات ما يزيد أو ما يفيض عن الحاجة الغربية ومرتكزاتها الصهيونية ولبوسها الوهابي.
هذه النكبة التي مرّت منذ سبعين عاماً إلا قليلاً يراد للأمة أن تغرق في نكباتها الجديدة سبعين أخرى ونيفاً، ومنهم من يجادل كي تكون آخرها، حيث لا عرب بعدها ولا وجود ولا مصير ولا معضلات، لكن النكبة التي لم تستطع سبعون أن تغيّبها من وجدان السوريين والفلسطينيين واللبنانيين ومن تبقى من أحرار العرب، لن يكون بمقدور الأعراب وإرهابهم المقيم منه والعابر أن يبقي نكبة العرب عقوداً إضافية، ولا أن يضع قضاياهم في زواريب جانبية وعلى هامش المشهد وما يقتضيه.
في حرب الوجود والهوية لا مجال لأنصاف الحلول، ولا مكان لتأجيل المواجهة، ولا طريق وسطاً يؤخر أو ينتظر أو يستكين لما هو قائم، فمعالم المعركة توضَّحت كما لم تكن يوماً، وارتفاع سقف الحضور والاعتراف بوجود المقاومة ليس وليد فراغ، والمجابهة مع أعداء الأمة لم تعد ترفاً سياسياً أو فكرياً، ولا هي مجرد إضافات في المعارك التي أشعلتها الفتنة وأجَّجتها عدوانية الآخر المتربص بنا، إنما سياق ينتج حدود المسموح وتعرّجات خطوط الطول والعرض، وألوانها ونماذج الحكايات المحفورة في ذهنية البحث عن ذرائع الموت والدمار.
فالنكبة في الزمن الـمُر تصبح هَمّاً يومياً وحالة قائمة ومستمرة، ووحده خط المواجهة في معركة مفتوحة على المصير هو الذي يضع حدوداً فاصلة ونهايات لا بد أن نصل إليها يوماً، وقد اقتربت لتكون النكبة مجرّد دروس مرت، لتحلَّ مكانها يوميات العمل المقاوم في الميدان والسياسة والوجود والمصير، والأهم في الهوية والانتماء.
a.ka667@yahoo.com