«مصر التي في خاطري» ..

ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحريرعلي قاسم :
يستدرج الوضع العربي بمكونات وجوده وركائز تكامله العودة إلى استحضار دفاتر الذاكرة، والغوص في صفحات كانت مؤجلة أو تم تحييدها، وسط سيل الأحداث العاصفة، التي كادت تطيح بالمسلمات، وتحوّل البديهيات إلى معادلات مستحيلة الحل،

ليجد بعض المستحدثين وظيفياً مساحة لتسويق الوهم والاستطالة والتورم في دوره وموقعه .‏

إذ حين تنفض تلك الصفحات غبار المغالطة، وبعض الترهل الناتج عن تزاحم التحديات وارتفاع منسوب المخاطر، يمكن لها أن تسترجع سطورها المفقودة، التي تشكل بوابة عبور ومخرجاً كلما اشتدّ الضغط داخل عنق الزجاجة، أو برزت على السطح تحديات وجودية بشكلها المباشر أو غير المباشر، أو عندما تصل المخاطر إلى قمة جبل الجليد، ويصبح معها الحال العربي رقعة شطرنج، يتقاذف فيها الآخرون أحجارهم وبيادقهم، فيما تتدحرج على هوامشها نتف الهم العربي.‏

وفي الاستحضار تتصدر مصر بدورها وموقعها وعلاقاتها ووجودها السياسي والجيوسياسي محور العلاقة مع سورية في التاريخ والذاكرة، وتحدد في كثير من الأحيان الكفة ووجهة البوصلة القادمة، حيث كان غيابها أحد أخطر المؤشرات على كارثية الوضع العربي، وكان للفراغ المتشكل على خلفية ذلك الغياب ما هو أبعد بكثير من سائر التداعيات المرافقة.‏

لا نعتقد أن أحداً لديه أوهام بشأن حقيقة المخاطر المحدقة بالوضع العربي، وبأن التحديات المشتركة التي تواجهها سورية ومصر هي ذاتها، وهي إن تباينت في الشكل، أو تمايزت في التوقيت، أو اختلفت أحياناً في المقدمات والمقاربات، فإن النتائج تتطابق أحياناً، وفي بعضها تستنسخ أوجهها وعواملها، وفي جزء منها تستعير معاييرها ومقاييسها، فما يصح هنا بالضرورة لا بد أن يجد له موضع قدم هناك والعكس صحيح.‏

لكن أيضاً وبالقدر ذاته نستطيع أن نجزم – إلى حد اليقين – بحتمية التلاقي السوري/ المصري، مع إدراكنا للمحاولات التي تتعرض لها مصر لتكون على الطرف الآخر، أو على النقيض من موقعها ودورها، ومعرفتنا بحجم الضغوط والممارسات والابتزاز والمساومات، التي جرت وتجري، كي تصادر ذلك الموقع، أو في الحد الأدنى أن تحيّده عن التأثير، وأن تغيّب عنه الفاعلية، ليكون مجرد صدى لمواقف لا تنتمي لمصر وعروبتها ولدورها ومساحة وجودها، ولا تعكس الفهم المصري للأحداث والمخاطر التي تتهدد الوجود العربي ذاته.‏

ونلمس أيضاً تلك السياقات المحمومة، التي لا تكتفي بمحاولة مصادرة الدور المصري، بل الذهاب به إلى حيث لا يمكن لمصر أن تكون، وإلى حيث لا تستطيع حتى لو حاول البعض من داخلها أو خارجها ، فهي كانت وستبقى عنواناً ومشهداً وصيغة وفهماً وذاكرة يصعب تجاوزها، بل يستحيل مصادرتها، وإن حدث لبعض الوقت فلن يكون طوال الوقت، وإذا تكالبت عليها من هنا وهناك المواجع والمتاعب والصعوبات والضغوط، لا يمكن لها أن تكون سوى مصر المرادف المواجه للتاريخ والصفة المقابلة للذاكرة العربية.‏

فالإرهاب ليس حدثاً عابراً في التاريخ المشترك السوري المصري، ولا تحدياً منفرداً، بقدر ما كان على الدوام يتهدد الوجود المشترك، كما يستهدف الوجود الذاتي، وفي كلا الحالين كان عاملاً محفزاً لمزيد من التواصل والفاعلية في العلاقة السورية المصرية، فالتجارب التاريخية، التي برزت في عقود القرن الماضي كانت شاهداً، كما هي قرينة، وحين يتحول الإرهاب بساطوره إلى ذراع إسرائيلية أميركية، وإن كانت أصابعه أو بعضها بمقبض أعرابي مشوه أو إقليمي متغطرس وموروث سلطنة بائدة، فلا يمكن لمصر أن تكون على الحياد، ولا بمقدورها أن تُحجَز خارج موقعها وسياقها وفعلها إلى جانب وجودها وحضورها القومي، الذي كان ولا يزال مصدر أمان للوجود العربي وللحضور الفعلي على الساحة الإقليمية.‏

وفي المواقف التي فرضت وجودها وحضورها السياسي نستطيع أن نستدل على أوجه طرحت سياقها تمهيداً فعلياً لعودة لا بد منها، وتمايز ليس من المتاح ولا الممكن تجاوزه، وما برز في الأسابيع الأخيرة يفسر بعضها، وإن كان يحتاج إلى مقاربة أوضح، تنتقل من التلميح إلى التصريح، ومن الممكن إلى المتاح، ومن المشاهدة والترقب إلى المساهمة والانخراط، ومن التردد إلى الحسم، فالخطر واحد والتحديات واحدة والاستهداف واحد، ولو تباين التوقيت أو تلوّن الأسلوب.‏

فـ «مصر التي في خاطري» هي مصر المنتصرة لعروبتها، المستعيدة لدورها ووجودها وحضورها، ومصر التي نحب،هي تلك التي يصعب على أحد أن يسد فراغ غيابها، أو يتمكن من مصادرة دورها، أو أن يتحكم بموقفها، ومصر التي نطمح إليها ويطمح كل العرب، تلك التي كانت وستبقى حاضنة للأمن القومي العربي، الذي كان ولا يزال جزءاً من أمن وجودها على خريطة المنطقة وبمساحة فاعليتها، التي كانت وستبقى رهناً بمدى تكامل أدوارها إلى جانب سورية، هكذا قال التاريخ، وهكذا تحكي الذاكرة الجمعية، وهذا هو حال الوجدان العربي.‏

a.ka667@yahoo.com

آخر الأخبار
محافظ حلب : دعم القطاع التجاري والصناعي يشكل  الأساس في عملية التعافي د. الرداوي لـ "الثورة": المشاريع الكبرى أساس التنمية، والصغيرة مكمّلة مبادرة "تعافي حمص"  في المستشفى الجامعي اندلاع أكثر من عشرة حرائق في اللاذقية وإخماد ثلاثة منها حريق يستعر في حي "دف الصخر" بجرمانا وسيارة الإطفاء بلا وقود تسريع إنجاز خزان المصطبة لمعالجة نقص المياه في صحنايا صيانة 300 مقعد دراسي في مدرسة المتفوقين بحمص صيانة 300 مقعد دراسي في مدرسة المتفوقين بحمص معالجة التعديات على عقارات المهجرين.. حلب تُفعّل لجنة "الغصب البيّن" لجنة فنية تكشف على مستودعات بترول حماة الشمس اليوم ولاحقاً الرياح.. الطاقات المستدامة والنظيفة في دائرة الاستثمار صياغة جديدة لقانون جديد للخدمة المدنية ..  خطوة مهمة  لإصلاح وظيفي جذري أكثر شفافية "الشباب السوري ومستقبل العمل".. حوار تفاعلي في جامعة اللاذقية مناقشات الجهاز المركزي مع البنك الدولي.. اعتماد أدوات التدقيق الرقمي وتقييم SAI-PMF هكذا تُدار الامتحانات.. تصحيح موحّد.. وعدالة مضمونة حلاق لـ "الثورة": سلالم التصحيح ضمانة للعدالة التعليمية وجودة التقييم "أطباء بلا حدود" تبحث الواقع الصحي في درعا نهضة جديدة..إقبال على مقاسم صناعية بالشيخ نجار وزير الخارجية اللبناني: رفع العقوبات عن سوريا يساعدها بتسريع الإعمار ترميم قلعة حلب وحفظ تاريخها العريق