حافة الهاوية.. وما قبلها..

ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير عـلــي قـاســم:
لم يكن الإعلان الأميركي عن وقف التعاون مع روسيا مجرد خطوة نحو حافة الهاوية، بل ثمة ما هو أبعد، حين يرسم حداً فاصلاً بين ما قبله وما بعده، وربما منعطفاً في سياق الاشتباك السياسي الذي يتم التعبير عنه بأشكال تبتعد بهذا القدر أو ذاك عن السياسة،

مع أنه لا يضيف إلى الوقائع شيئاً عملياً ومباشراً، أو ما يمكن اعتباره ترجيحاً إضافياً لكفة التسخين والتصعيد في المواقف، حيث كان التسويف الأميركي والمراوغة ومحاولات التنصل من كل ما يتم الاتفاق عليه، تقود جميعها إلى الحصيلة ذاتها، وفي بعض الأحيان إلى ما هو أسوأ، بدليل النتائج المتدحرجة التي أوصلت الأمور في معظم التجارب السابقة إلى الحائط المسدود، وفي بعضها إلى حافة الإفلاس السياسي والعجز وصولاً إلى الخيبة التي كانت ترتسم هنا وهناك.‏

في المشهد المقابل له كانت التوقعات المرافقة تشي بما هو قادم، خصوصاً بعد المماحكة الأميركية التي أفضت إلى إجهاض الاتفاق مع روسيا، ورفضت الإفصاح عنه أو نشر مضمونه، تحت حجج بدت أقبح من ذنب الرفض ذاته، حين أوصلت الأمور إلى سياسة التسريب والتسريب المضاد، وعملت على تجييش الموقف الغربي عموماً الفرنسي البريطاني تحديداً، والتي كان من أولى نتائجه التطاول البريطاني على روسيا، والكشف عن أول حلقة من الجدل السياسي والدبلوماسي، والتي تخطت الأعراف المعمول بها، ودفعت بالدبلوماسية الروسية إلى الرد كما اقتضت الحاجة، أو وفق ما تتطلبه اللغة المستخدمة.‏

والمسألة الواضحة والصريحة لا ترتبط بما يجري تسويقه، ولا في حدود النقاط المسجلة هنا وهناك، بقدر ما تحاكي وضعاً دولياً يستنفر أدواته وأوراقه غرباً وشرقاً من أجل تثبيت نقاط الاشتباك على المسرح الدولي، وكل ما يجري تداوله، في إطار التمهيد العالمي لحالة التموضع القائمة والإحداثيات الجديدة التي ترسمها خرائط النفوذ العالمي، وإن بقي الخلاف على مكافحة الإرهاب مسألة جوهرية في معيار المقاربة ومساحة الاشتباك السياسي حولها، حيث يُعبّر عن جوهر المحاكاة السياسية للعلاقة القائمة، حيث أميركا لا تزال تعوّل على الإرهاب، فيما روسيا الجادة في مكافحته لا تزال تدرك حجم المخاطر المحدقة بالوضع العالمي من جراء تفشيه وانتشاره.‏

الأخطر كان التلويح الأميركي وربما التهديد الصريح والواضح بورقة الإرهاب بوصفها آخر ما في جعبتها من أوراق صالحة للاستخدام بعد ان نفدت جميعها أو احترقت أو فقدت صلاحيتها بفعل الاستخدام المتكرر لها ومن دون جدوى، وباتت اللعبة خارج سياق المقاربات التقليدية، وأبعد من حدود الاشتباك في المفردات والمصطلحات، ووصلت إلى عتبة المباشرة الفعلية في التصويب نحو السياسات والمفاهيم والأساليب والأدوار والمواقع داخل وخارج حلبة المواجهة المفتوحة، وإن ظل الإرهاب حجر زاوية الخلاف رغم تعدد منصات الاستهداف.‏

فالأميركي ليس فقط من بادر إلى الخطوة الأولى فحسب، بل هو أيضا من دفع بالأمور نحو حافة الهاوية، من دون أن يتخلى عن رسائل التهديد المبطنة، التي أفرجت عنها مداولات البنتاغون الأميركي وإصراره على التمسك بخيار الضربة الأولى باعتبارها الفزاعة الاستراتيجية التي تراهن عليها واشنطن للإمساك بدفة الهيمنة العالمية على مستويات المشهد المختلفة، وما تقتضيه من تبادل في صياغات التصعيد والمواجهة، وإن بقيت روسيا في مقاربتها الدبلوماسية معتمدة على السياق ذاته، الذي دفع بالوزير لافروف إلى الحديث عن ضرورة تجنب انهيار الاتفاقات مع واشنطن ووضعها في خانة الأمر المهم.‏

غير أن هناك فرقاً واضحاً بين ما هو مهم وما يمكن اعتباره الأهم، حيث محاولة الحفاظ الروسية والجدية في ذلك لا تعني بأي حال التفريط بما بقي، ولا تُلْزِم بما يتبقى من نتف سياسية أو دبلوماسية حول المسألة، إذ إن مكافحة الإرهاب قضية لا يمكن المساومة عليها، ولا المداورة حولها، وإن محاولات أميركا اللعب بالألفاظ لقلب الحقائق قد خرجت عن نطاق التداول ولم تعد صالحة حتى للاستخدام في البازار السياسي.‏

الخلاف الروسي الأميركي لم يسجل علنية كتلك التي نراها اليوم ونلمسها، وإن كان ينقل المشهد الأميركي من التثاؤب على خط النار إلى انحدار بالتصعيد نحو حافة الهاوية، التي نتعاطى مع ارتداداتها واقعياً بحكم ما تنتجه من انعكاسات لا تخفى على أحد، حيث اعتدنا على سياسات أميركية غالت في رهانها على الإرهاب وبالغت في التعويل على مشغليه الإقليميين، لتخط رسائل مباشرة تتقصد التوقيت أكثر ما تعني المضمون، وفي علنيته ما يكفي لقراءة ما قد يكون بعده والأهم ما كان قبله، وتلك هي المسألة الأخطر، وذاك هو حقل الاختبار لمؤشرات الاشتباك القائم وحدوده ومساحته، وإن تمخض تخندقاً أميركياً على حافة الهاوية..‏

a.ka667@yahoo.com

آخر الأخبار
جميع الشركات أكملت تجهيز مواقعها.. معرض دمشق سيكون نموذجاً وطنياً مميزاً.. وترتيبات مبهرة بحفل الافت... الرئيس الشرع يستقبل وفداً من الكونغرس الأميركي لبحث ملفات الأمن ورفع العقوبات رسالة معرض دمشق الدولي بدورته الجديدة.. الانفتاح والشراكة مع العالم دمشق ترحب وتعتبر رفع العقوبات الأميركية تحولاً نوعياً يمهّد لمسار تعاون جديد تعزيز التعاون في مجال الطوارئ والكوارث بين سوريا والعراق معرض دمشق الدولي.. بوابات اقتصادية وآمال مشروعة لانفتاح أكبر "الرقابة المالية":  فساد "ممنهج" بتريليونات الليرات استهدف معيشة السوريين مباشرة جمعية "موصياد" التركية: فتح آفاق للتعاون مع سوريا وإطلاق منتدى اقتصادي دولي معرض دمشق الدولي.. منصة متكاملة لتبادل الخبرات والمعارف وعقد الاتفاقات تطوير العلاقات الاقتصادية بين "غرف التجارة السورية" و"التجارة والصناعة العربية الألمانية" محطة وطنية بامتياز.. في مرحلة استثنائية رسمياً ... الخزانة الأميركية تُعلن رفع العقوبات المفروضة على سوريا اجتماع جدة: إسرائيل تتحمل مسؤولية جرائم الإبادة في غزة معاون وزير الصحة يتفقد أقسام مستشفى درعا الوطني سعر الصرف يتراجع والذهب يحلق الحملات الشعبية في سوريا.. مبادرات محلية تنهض بالبنى التحتية وتؤسس لثقافة التكافل عودة نظام سويفت تدريجياً.. خبير اقتصادي  لـ"الثورة": استعادة الروابط المالية وتشجيع الاستثمار نقطة تحول كبرى.. سوريا خارج قوائم العقوبات المالية والتجارية لمكتب "OFAC" الأميركي المبادرات الشعبية بريف إدلب... تركيب أغطية الصرف الصحي في معصران نموذجاً العمارة المستدامة في قلب مشاريع الإعمار.. الهندسة السورية تتجه نحو الأخضر