بريطانيا تستثمر في إرثها الإرهابي

ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
لم يتعظ البريطانيون من تجربة الأميركيين، وهم الأكثر إدراكا للخيبة التي ارتسمت على ملامح الاستخبارات والبنتاغون، حين يممت إدارة أوباما وجهها شطر «شراذم المرتزقة» بحثاً عن بقايا معارضتها،

التي تاهت وسط المنتج الأميركي المتخم بقاعدته الإرهابية، ولم تفلح في حينها بإيجاد ما يمكن أن يبرر لرئيسها الذهاب أبعد من تعبير «الفانتازيا» عن تلك المعارضة المعتدلة.‏

الإقدام البريطاني على المنحى ذاته في التصدي لمهمة تدريب الإرهابيين بنسختهم الاميركية المعدلة، له استدلالات أبعد من قيمة الخطوة ذاتها، بمعنى آخر لن تكون الحصيلة العملية أفضل من سياق سابقاتها، ولا هي بعيدة عن مخارج ما آلت إليه التجربة الأميركية، لكنها في الدعاية وربما في التوقيت تتسم بأبعاد أكثر خطورة، حين تحاول أن تصطف على مجموعة من الخيارات التي تعيد خلط التوصيفات وإن بقي شعار الاعتدال الكاذب ذاته.‏

فالخبرة البريطانية المستمدة من إرث استعماري وسياسي في التعامل مع التنظيمات الإرهابية.. نشأة وتمويلاً واحتضاناً.. هذه الخبرة توفر لها عوامل إضافية وتضمن قواعد عمل أفضل من الأميركي في طريقة التعاطي مع متطلبات تلك التنظيمات وآلية إدارتها، لتكون أكثر توافقاً مع المتغيرات الطارئة على الدور الوظيفي المنوط بالتنظيمات الإرهابية من جهة، ومع مقتضيات التعديل الطارئ في الأجندات الغربية، بعد أن وصلت إلى الحائط المسدود في الكثير من خياراتها من جهة ثانية.‏

وهذا ينسحب على الدور البريطاني المكلف به أميركياً، والمتفق عليه بالتجربة دولياً، على أنه كان دائماً ساعي بريد لحروب أميركا، وسيكون هذه المرة بديلاً في التمهيد عن الأميركي لحروب الوكالة المعتمدة أساساً على الإرهاب، لكن مع تلون في طبيعة المهمة، حيث الفارق بين أن يكون المدرب أميركياً وبين أن يتولى المهمة بريطاني كبير ومشابه حدود ومساحة التباين في الخبرة بين الطرفين، خصوصاً في معايير الاعتدال والتطرف التي تختلف تبعاً للائحة الخبرات المكتسبة من التعاطي مع التنظيمات الإرهابية. فبريطانيا مثلت على الدوام سياقاً يحتضن في كل المراحل أكثر عتاة التطرف وأخطرهم، ولن تجد صعوبة في توسيع لائحة اعتدالها، بحيث تزاوج بين داعش والنصرة على منصة واحدة، فيما بقية التنظيمات مجرد رقم إضافي على اللائحة.‏

الفارق الإضافي الذي يتقاطع في كثير من تفاصيله مع مآل الأول أن عودة بريطانيا للاستثمار في إرث علاقتها بالإرهاب والإرهابيين لم تكن مبادرة منفصلة عن خيارات الغرب، الذي يعيد رسم افتراضات مشاريعه وخياراته تبعاً لحالة الإحباط التي ترتفع وتيرتها، حيث العجز الميداني يوازيه إلى حد كبير فشل في تدوير زوايا السياسة المتعرجة إلى حد التشوه في المقاربات الغربية، وهذا ما يضفي على الخطوة البريطانية الكثير من الشواهد الدالة على عبثية المحاولة اليائسة والمتخبطة، وأنها لن تكون أفضل حالاً من مثيلتها الأميركية، حيث الإرث هنا ليس رقماً عددياً ولا تراكماً في المعارف والعلاقات، بل ايضاً تطور في المنحى والاتجاه ويعبّر عن نفسه بأشكال من التباين الحاد بين الأجندات الغربية حيناً والأدوار الوظيفية المتبدلة للتنظيمات الإرهابية حيناً آخر.‏

بريطانيا العائدة إلى دورها المشبوه في المنطقة عبر بوابة الإرهاب المعتدل هي ذاتها التي كانت حاضرة بإرثها الاستعماري البغيض، وهي عينها التي كانت ولا تزال أصابعها تعبث بالمنطقة وقضاياها، وتخط المؤامرات وتنسج المخططات، مع تعديل وظيفي اقتضته الزعامة الأميركية المؤقتة للعالم، وقبول بريطانيا بدور الظل للأميركي في العلن، والظهير الداعم وربما المخطط والموجه لحروبه وأطماعه في الخفاء.‏

إظهار الدور البريطاني ليكون بديلاً عن الأميركي الذي أقرّ باستحالة المهمة، أو تعويضا عن الفشل، ليس مجرد إعادة توزيع للأدوار على المستوى الاستراتيجي الأميركي بقدر ما هو إعادة تعبئة وتحشيد للإمكانات الغربية للتغطية على عجز يلاحقها، ومحاولة محمومة لتوظيف إرث العلاقة مع التنظيمات الإرهابية، بحيث تكون عاملاً مساهماً في التخفيف من حدة المأزق، أو في الحد الأدنى الحفاظ على ماء الوجه، ولو أنه لا طائل منه ما دام قد انسكب مراراً وهو مرشح للتكرار مع بريطانيا ومن دونها.‏

a.ka667@yahoo.com

 

آخر الأخبار
كيف يواجه المواطن في حلب غلاء المعيشة؟ إزالة أنقاض في حي جوبر بدمشق ريف دمشق: تأهيل ٩ مراكز صحية.. وتزويد ثلاثة بالطاقة الشمسية جامعة دمشق تتقدم ٢٤٠ مرتبة في التصنيف العالمي إطلاق القاعدة الوطنية الموحدة لسجلات العاملين في الدولة ما هي أبرز قراراته المثيرة للجدل؟ شعبية ترامب تتراجع بعد مئة يوم على توليه منصبه  الأمم المتحدة تدعو لرفع العقوبات والاستثمار في سوريا الأوروبي" يواجه تحديات خارجية وداخلية.. فهل يتجاوزها ويصل إلى الحالة "التكاملية"؟ إعلام غربي يدعو للاستفادة من المتغيرات الدولية لتحقيق الاستقرار في المنطقة The NewArab:  محادثات الشيباني وميلز ركزت على فرص تحسين العلاقات بين دمشق وإدارة ترامب مصر والسعودية تؤكدان ضرورة الحفاظ على وحدة سوريا  حملة "شفاء".. عمليات جراحية نوعية في اللاذقية المصالح العقارية تضاهي "المركزي" بأهميتها..  خبير عقاري لـ"الثورة": الملكيات مُصانة ولا يمكن تهر... غلوبال تايمز: واشنطن بالغت في إبعاد الصين عن التجارة العالمية مظاهرات احتجاجية في تركيا وباكستان واندونيسيا..  عشرات الشهداء بمجازر جديدة للاحتلال في غزة الأمم المتحدة تدعو "الحوثيين" للإفراج الفوري عن جميع موظفيها المحتجزين تعسفياً  خارطة الخيارات الاستثمارية الحالية رهينة الملاذات الآمنة 70 بالمئة من طاقة المصانع معطّلة... والحل بإحياء الإنتاج المحلي  استفزاز إسرائيلي جديد.. زامير يتجول بمناطق محتلة في سوريا الفاتيكان يعلن وفاة البابا فرنسيس