ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم : خمسة وتسعون عاماً مرّت على وعد بلفور، عبرت خلالها عشرات الوعود المخفية والمعلنة، الفارق بينها أن وعد بلفور كان من مستعمر طامع إلى مستعمر احتلالي إلغائي، بينما الوعود التي يطلقها عربان الأمس واليوم كانت وما زالت تحاكي عمالة الأجراء لإرضاء أسيادهم.
على متن ذلك الوعد انشطرت الدماء العربية على مدى العقود التي اندثرت، وما زال الوعد يحتضن بين ضفتيه هرطقة السياسة، بينما العرب الذين يجيدون هدير الأصوات لم ينتظروا طويلاً حتى سلموا بالوعد وأطلقوا رصاصة الرحمة على فلسطين تحت عناوين الدفاع عن القضية.
على الضفة الأخرى كان وعد بلفور يرحّل من أدبيات الخطاب العربي، لتحل مكانه أبجدية الانصياع للرغبة الأميركية والتمني بنيل الرضا الإسرائيلي، سطروا في سبيل ذلك الوعود المتتالية من لحظة الشكوى من الموقف الذي يخافونه في اجتماعاتهم، إلى التحريض المباشر والوقح على سورية، ومحاضر اجتماعاتهم شاهد إثبات، فيما مذكرات الاستخبارات الأميركية والغربية تقدم الدليل بالحجة الدامغة والبرهان الأكيد.
خطط الوعود تلك ما زالت تحتفظ بها أدراج أغلقت، فيما تفضحها دفاتر تفتح، إلى أن بات الوعد مستحقاً فكانت في وعدها الأخير وخلال بضعة أسابيع.. مرت الأسابيع والأشهر وتكاد تمضي السنوات أيضاً فتنقلب الطاولة ويصطف حولها المرتهنون لوعد آخر، ويتسابقون على تقديم أوراق الطاعة والاستجداء في محاكاة طيف الرغبة الإسرائيلية.
يمرّ وعد بلفور وتتلاقى على ضفتيه مآسي العرب على مدى العقود العشرة المنصرمة، وهم مشغولون بوعودهم تلك التي سطروها بأموال تم سلبها لترتهن لشباك نصبها الوعد البلفوري أمام أنظمة ومشيخات وحكام ودول تقع في شر وعودها.
وتمر معه الوعود التي تحاكي تمنيات غلب عليها الوهم، وساقت فيها دوائر القرار الغربي، وارتهنت لها على مدى أشهر خلت، لتستفيق على صفعة تزامنت في توقيتها مع وعد بلفور، لتعيد تنشيط الذاكرة العربية المرمية من سنوات على قارعة الطريق المؤدية إلى باب الطاعة الأميركية وتالياً إلى العتبة الإسرائيلية.
بإمكان الأعراب ان تسجل في دفاترها كم وعداً أعطت، وكم من وعد أخلفت؟ وبمقدورها ان ترسم في نهاية الصفحة ما قدر لها من أوهام قادتها إلى الهاوية وهي ترسم أحلام ادوارها الجديدة في المنطقة لتكون في الصدارة لموسم آخر من الظلامية ما كادت تطردها من النافذة حتى جاءتها من باب فتحته على مصراعيه بانتظار عقود من الغربة العربية عن التاريخ.
ما يدهش اليوم أن الأعراب التي ما فـتئت تكتم غيظها من عربان مرت المياه من تحت أقدامها دون أن تدري وهي مطعونة من حليفها البريطاني الذي شبكت يدها في يده، هي ذاتها التي تشبك يدها مع الأميركي والإسرائيلي والعثماني بنسخته الجديدة، لتقدم وعودها بالقضاء على ما تبقى في الذاكرة من ذلك الغيظ.
وما يوجع أن هذه الأعراب وهي التي تقود بنفسها حلقة الوعود الجديدة، تمارس عربدتها فوق الطاولة.. علناً دون خجل أو حياء، وفيما تتراكض لإرضاء الإسرائيلي والأميركي نراها تتباهى بما زرعته وتزرعه من إرهاب في سورية، وتتحدث مراراً وجهاراً عمّا قطعته من عهود وما رهنته من أرصدة.
العامل المستجد اليوم أن وعد النيل من سورية يقدمه أعراب ومرتزقة ودخلاء وعملاء لم يتعظوا من دروس التاريخ ولا من تجارب الحاضر، كما لم تستفد من دروس الماضي.. والمستحدث أنها أخطأت في التوقيت والعنوان ومارست عهرها السياسي على الملأ غير عابئة بما تخلفه من مآسٍ في ذاكرة الشعوب العربية .
لذلك ربما كان طبيعياً أن يمرّ وعد بلفور هذا العام كما في الأعوام التي سبقته في غفلة منها أو «تغافل» وهي المشغولة بوعودها الخائبة منها والمستحدثة اليوم على وقع الطاولة الأميركية المقلوبة في وجهها ووجه مرتزقتها، وقد أدارت الإدارة الأميركية ظهرها معلنة إفلاسها مما قدمته.. وتقدمه تلك الأدوات.
وقد يكون منطقياً أن نراها وقد زحفت تستجدي ما تبقى، وتلعق ما سبق لها أن تلفظت به.. والقادم وما يحمله سيكون الشاهد.
a-k-67@maktoob.com