ثورة أون لاين – خالد الأشهب: يمكن أن تكون علمانياًَ دون أن تكون ديمقراطياً.. لكن, كيف يمكن أن تكون ديمقراطياً دون أن تكون علمانيا؟
بل, كيف يمكن أن تكون مواطناً فحسب, ودون درجات أو امتيازات أو شهادات زور, وأن تطالب بالمواطنة تصنيفاً وحيداً يبرر وجودك وعيشك على هذه الجغرافية أو تلك.. وأنت تنتمي إلى طائفة أو ملة أو عشيرة ؟
والأغرب من هذا وذاك.. كيف لمن يدعون الثقافة ومنهجية التفكير والمحاكمة العقلية الذاتية, أن يختزلوا الأشياء بخواتيمها وأشكالها الظاهرة فحسب, وأن يقولوا لنا أو يعرفوا, لذاتهم على الأقل, كيف وصلت الأشياء تلك إلى تلك الخواتيم.. إذ لا يمكن اختزال رحلة نابليون بونابرت بأنه ذهب وحارب وعاد منتصراً على رأي أحد الطلبة الكسالى!
الأفكار ليست نماذج صنعية يمكن اقتناؤها بالشراء أو بالاستعارة أو حتى بالسرقة, وهي أيضا ليست قرارات يجري إنتاجها والترويج لها بالتعميم أو بالتخصيص, وخاصة السياسي منها كأنموذج الديمقراطية العتيد.. أصوله اجتماعية وثقافية واقتصادية عمرها مئات السنين والأمكنة، وليس لحظة تأمل ونفس نرجيلة في مقهى, وإذا كان للناس من العامة أن يتوهموا استنبات الديمقراطية عندنا كاستنبات نبتة استوائية في القطب الشمالي, فعلى المثقفين إياهم أن يتأكدوا أن استنباتها إنما جرى في قفص زجاجي مدفأ وليس في طبقات الجليد المتراكمة !
الديمقراطية هي الديمقراطية وأنموذجها الوحيد هو ما أنتجه الغرب وتوافق عليه من نسخها وأشكالها, أما صناديقها الانتخابية فمجرد إجراءات تنفيذية لما استوطن الوعي الغربي العام عبر مئات السنين من الأفكار والرؤى والقناعات والمواقف والصراعات العلنية والمتخفية, وبمثلها جاء الغزاة الأميركيون إلى العراق.. وهم يعلمون سلفاً أن لا ديمقراطية بالغزو, واصطف العراقيون أمامها أرتالاً يغمسون سبابة في الحبر ووسطى في العقل، إذ اكتشفوا بعدها أن كل رتل كان طائفة أو عشيرة.. وأن كل «بريمر» وهم بخير بعد تدمير العراق واغتيال نخبه الديمقراطية, وما أكثر هذا النوع من المنتج الاستعماري « بريمر» في أميركا اليوم!!
كفاكم تهريجاً وشعوذة وحذلقة, أيها الناطقون الناعقون بالديمقراطية, الغارقون في أوحال وقماقم التدين والتطيف والعشرنة, تجمعون دوكما المتناقضات قسراً وتقولون إنه الإنجاز الإعجاز, ثم تتفسخون ويتفسخ ما جمعتم، فلا أنتم ولا هو إلا هباء منثور, فإن شئتم المساواة والعدالة الإنسانية فاخترعوا أنموذجكم الخاص منها ولها.. دون أن تسطوا على براءات الاختراع لدى الآخرين, ثم سموه ما شئتم إلا الديمقراطية, وإلا فاذهبوا في دروب العلمنة إلى ديمقراطية الغرب, ولا تصدعوا رؤوسنا بخصوصية باتت مهترئة بالية لكثرة ما عرفت من الانتقاء الأعمى والترقيع الأغبى؟