ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
اجتمع العرب والأعراب، تباينت التوجهات، كما اختلفت المقاربات، بحثوا عن حدود يتلاقون عليها، فما وجدوا إلى ذلك سبيلاً،
حتى «أضعف الإيمان» تبخّر أو كاد، وما أظهرته تصريحات الليل بلعته ساعات النهار.
اجتمع العرب والأعراب، تناقشوا وشرحوا، تباحثوا واستفسروا، فذهبت رياحهم الغاضبة لتصبّ عواصفها خلف المنابر، جلساتهم المفتوحة والمغلقة لم تختلف كثيراً، ما كانوا يهرعون إليه في الخفاء، هو ذاته ما باحوا به في العلن.
الفارق أن ما يختلف عليه العرب هو ذاته الذي يعترض عليه الأعراب، فهذه غزة لكل منهم منبره، ولكل منهم قناته، وما يجمعهم تحت سقفها يفرّقهم ما هو خارج حدودها، من معابرها المغلقة إلى الحصار الذي احتاروا في كسره.
والفارق أن المقاومة كسرته دون إذن منهم، والنيات الطيبة والإرادة الجادة في دعم المقاومة فرضت مقارباتها، لم تكن بحاجة إلى زيارة غزة، ولا إلى أساطيل وسفن تقتنصها إسرائيل، وتقرصن عليها، وتصبح الشماعة للمزايدة على العرب وغيرهم، ولا إلى منبر إضافي للمهاترات والصراخ والضجيج.
بمحورها والدول الداعمة لها .. أمنت المقاومة ما تحتاجه، وبطريقتها الخاصة استطاعت أن تجتاز المعابر دون إذن من الإسرائيليين، ولا من المراقبين الأوروبيين، لم تحتج إلى فيزا للعبور، ولا موافقة للوصول، لا ضجيج ولا صراخ، لا منابر ولا جلسات، لا مساعٍ دبلوماسية ولا وساطة سياسية من تحت الطاولة أو فوقها.
الأعراب المصدومة من الطريق الذي عبرته المقاومة وداعموها الفعليون، ومن إرادتها ومن قدرتها على توفير ما تحتاجه، والاحتياط لزمن الشدائد، والعرب «المدهوشون» وجدوا أخيراً سبيلاً وطريقاً لتتقاطع مواقفهم عند حدود الدهشة والمفاجأة، وكل على مقاسه، وعلى حدود نياته، فكانت كلماتهم، كما هي مواقفهم اقتناص في الزمن الخطأ، وركوب للفرص في الوقت الضائع، فحمّلوا مواقفهم وتموضعهم على ما أنجزته المقاومة.
لكن وكما كانت عهودهم في زمن الرخاء هي أيضاً في وقت المواجهة، وكما باعوا واشتروا، يعرضون اليوم بضاعتهم، ويعرضون معها الثمن البخس الذي اعتادوا قبضه كتسعيرة معروفة لبيع القضية والمتاجرة بإنجازاتها.
بين الأمس واليوم لم تعد المتغيرات هي تلك التي أودعتها في عهدتنا مفازات الصقيع العربي، إنما فصول تتدحرج على مرأى الجميع ما كان يباع في الماضي بات اليوم يعرض رغم أنه بضاعة كاسدة وفاسدة لا تصلح، وما اشتروه أضحى عبئاً لا يمكن مشاركتهم فيه، وحتى العرب الذين صمتوا على ذلك البيع والشراء برضاهم أو رغماً عنهم لم يعد بمقدورهم أن يبقوا الشركاء الوهميين ولا شهود الزور على الصفقات.
لم يعد بينهم من لم يسمع بالأوامر الصادرة من عواصم الغرب للضغط على المقاومة لوقف الدفاع عن نفسها، وليس بينهم من لم ير هذا الاستجداء الإسرائيلي لإنقاذه من المستنقع الذي يغرق فيه، وبينهما تتوزع الرؤية والضرورة والمشاهد، وفي الحالين كان العرب هذه المرة مضطرين للتمايز ولوضع حدّ يفصلهم عن زيف الأعراب.
المعضلة أن بينهم من لا يزال يخشى من غضبة الأعراب تلك، من تلويحهم بالعصا الأميركية وباليد الإسرائيلية، رغم أن غزة علّمتهم أن إسرائيل كانت وهماً أكبر من حجمه، وأنها أخافت العرب على مدى ستة عقود ونيف لأن الخوف كان أحد سماتهم، وعندما خلعتها المقاومة من مفرداتها كشفت حجم الوهم وأماطت اللثام عن هذا البعبع المحشو.
هذه غزة وتلك هي المقاومة تكشف الحقيقة المرة منها والحلوة، ترسم الخط الفاصل بين الواقع والوهم، وتصنع المساحة المفصلية التي يحتاجها العقل العربي ليتبين الخيط الأبيض من الأسود.
وهذه غزة كشفت ما يكتشفه العرب من زيف الغرب.. نفاقه.. وتكشف ما تبقى من عورات أصدقائه..
الاحتكام إلى غزة لم يعد خياراً فحسب، بل قدر رسمته إرادة يصعب على أحد أن يتجاهلها، ويصعب على الأعراب أن يجادلوا بها، بعضهم يمتلك ما يكفي من عهر سياسي للمزايدة عليها، لكن لم يعد بمقدوره أن يتستر على ذلك وقد فضحته غزة.. عرّته حتى من ورقة التوت!!
a.ka667@yahoo.com