ثورة أون لاين: العميد الدكتور أمين محمد حطيط : والآن وقد حصل وقف اطلاق النار في غزة وبالشروط المعلنة، فان السؤال الاساسي الذي يطرح يدور حول طبيعة المشهد والنتائج المحققة وماذا عن المستقبل؟
بداية نذكر ان عدوان غزة لم ينطلق إلا ضد محور المقاومة واختار العدو ما يسميه الخاصرة الضعيفة فيه، حيث ان المعتدي كان يمني النفس بتكرار تجربة الضفة الغربية، اي دفع السلطة التي تتولى الامر في غزة، الى تقييد المقاومة وتجميدها في مرحلة اولى، تمهيدا الى الغائها واجتثاثها في مرحلة لاحقة ما يمكنه من تصفية القضية على هواه، ولذلك نجد ان اهم الشروط التي طرحها العدو الاسرائيلي في مفاوضات «التهدئة» كانت: شرط تجميد العمل المقاوم لمدة طويلة (تحدث البعض عن وصولها الى 20 سنة) وشرط منع التسلح في القطاع ولاي جهة كانت وشرط نزع السلاح الموجود اي باختصار بسيط الاجهاز على المقاومة.
لكن مواجهات الايام الثمانية افضت الى مشهد لم تكن الجهة المعتدية تتصور حصوله حيث اننا وفي دراسة متأنية لما اعلن ولما سجل في الميدان وفي غرف التفاوض نجد ان اسرائيل اخفقت في تحقيق ما تريد، رغم انها استندت الى الدعم الاميركي ومحور «النعاج العربية» ولجأت الى النار التدميرية، والى الحرب النفسية عبر التهويل بالمعركة البرية الساحقة معلنة انها حشدت لها اكثر من مئة الف عسكري (30 الفاً كانوا جاهزين قبل الانطلاق في الحرب، و75 الفاً تم استدعاؤهم من الاحتياط).
وقد قام بعض العرب بدورهم في الخطة ضد المقاومة عبر اشاعة اليأس وتثبيط العزائم حيث تفشى ذلك في جامعة الاعراب التي تداعت للانعقاد ظاهرا لتدعم غزة فاذا بها تعلن بلسان النافذين فيها بانها «جامعة نعاج» لا تقوى على قتال اسرائيل في اشارة الى الفلسطينيين تقول لهم «لا تعولوا على دعم عربي ان شئتم المقاومة والقتال»، لان العرب حاضرون فقط لدفع ثمن الاستسلام وهم جاهزون للامداد بالاموال مقابل التخلي عن المقاومة (فمال نفط الخليج هو لتدمير من يزعج اميركا واسرائيل كما يحصل ضد سورية اليوم).
والاسوأ من كل هذا هو ذاك الاستفزاز الذي صدر عن مسؤول سياسي لبعض فصائل المقاومة الفلسطينية حيث تجاهل محور المقاومة ودوره في تسليح ودعم مقاومة غزة لا بل توجه بالشكر والمديح لمن يطالب بالقاء سلاح المقاومة فشكر مثلث السعي لتصفية القضية الفلسطينية بالشروط الاسرائيلية (قطر مصر وتركيا) وقد كان يبغي كما يبدو، حمل مكونات محور المقاومة على ردة فعل غاضبة من شأنها الاستنكاف عن دعم المقاومة الفلسطينية وصولاً الى القطيعة معها (كما سبق أن فعل مع سورية في ابشع موقف جحود ونكران جميل) ومع القطيعة المتصورة يكون حبل الاعدام قد احكم ربطه حول عنق المقاومة، ما يقود بشكل حتمي الى اسقاطها والقول وداعا لخيار المقاومة في فلسطين، وعندها تكون سلطة القطاع جاهزة للعب دور سلطة الضفة واستعادة اساليبها في التنسيق الامني وملاحقة المقاومين لتصفية المقاومة.
بيد ان بيدر المقاومة وخنادقها كذبت حقول المخططين والمتآمرين وفنادقهم، ولم تؤثر النار الاسرائيلية على المقاومين في الميدان الذين لم ترهبهم النار او الحرب النفسية، كما لم يقعوا في فخ التثبيط والتيئييس النعجوي العربي، بل مارسوا في خنادقهم القتالية ارادة فولاذية في المواجهة وكان استعدادهم للتضحية في مستوى لم يستطع نزلاء الفنادق من القيادة السياسية ان يؤثروا فيه.
اما محور المقاومة الذي حاولوا استعداءه بالجحود العلني، فقد اظهر اصرارا على احتضان القضية الفلسطينية ولم يؤثر فيه استفزاز الجاحدين وتعامل مع المسألة على أساس انه هو «ام الصبي» وانه لن يتخلى عن مسؤولياته في الشأن، سلوك مارسته ايران وسورية وحزب الله في لبنان كل في موقعه ووفقاً لظروفه وبشكل اذهل المراقبين.
أ- حيال هذا المشهد، تيقن الاطراف المشاركون في حوارات القاهرة ومفاوضاتها، تيقنوا ان المقاومين لن يغادروا الخنادق ويسلموا رأس مقاومتهم، وان اي اتفاق لا يحفظ المقاومة لن يكون نافذا على الارض والميدان، وفي الوقت ذاته تيقنت اسرائيل من استعدادات المقاومة للمعركة البرية وفقا لخطة طبقات القتال المتتابع (اسمتها اسرائيل خطة قشرة البصل) ولان ظرف اسرائيل لا يسمح لها في ظل هذا الواقع الذي فاجأها وفي هذا التوقيت بالدخول في حرب برية وتحمل الخسائر فهي لكل ذلك سعت لاهثة طلبا لوقف النار فكانت التفاهمات التي تذكر بتفاهم نيسان 1996، وبشكل يؤكد على ما يلي:
1) ان المقاومة الفلسطينية باقية، ولا مجال للبحث في مصيرها او الجدوى منها وهي اكدت مرة اخرى انها الخيار الجدي والاساسي على صعيد الصراع مع اسرائيل. وفي هذا انتصار استراتيجي لمحور المقاومة الذي يتبنى هذا الخيار، المحور الذي استمر على اتصال وثيق ومباشر بالقضية الفلسطينية عبر المقاومين في غزة الذين مارسوا المقاومة في الميدان ورفضوا التنازل عنها تحت اي ضغط وظرف.
2) ان المقاومة الفلسطينية استمرت في انتمائها الى محور المقاومة، واعترف الاحرار الصادقون فيها بفضل هذا المحور وشكروا مكوناته ما يؤكد فشل السعي الى قطيعة بين غزة ومقاومتها من جهة وبين باقي مكونات محور المقاومة من جهة اخرى.
3) ان المقاومة الفلسطينية كسرت الحصار بعد ان فرضت فتح المعابر الى غزة وتسهيل حركة الاشخاص منها واليها، دون ان ينص على مسألة التسليح وتهريب السلاح سلبا او ايجابا وهذا نصر بذاته، ونذكر بان كل دبلوماسية العالم لم تستطع ان تفك الحصار الظالم المفروض على غزة، لكن بضع مئات من الصواريخ صنعت في ايران ونقلت عبر سورية، وساهم خبراء حزب الله في التدريب عليها وكبت واطلقت بقرار وارادة ويد فلسطينية ملتزمة بصدق خيار المقاومة يد لم تتلوث بأموال محور النعاج وفنادقه ومآدبه، صواريخ فكت الحصار الذي اعلن نعاج العرب عن عجزهم المطبق حياله.
4) ان الساحة الفسطينية شهدت اعادة تشكيل المواقع القيادية فيها حيث تقدمت قيادات من الفصائل المقاومة الى خطوط الصف الاول في المشهد الفلسطيني وبشكل ينشيء شيئا من الضمانة المستقبلية للمقاومة التي تعرقل الصفقات الاستسلامية او تمنعها ما قد يخلق طمأنينة في النفوس بان اوسلو لن تكرر.
ب. ومع هذا ودون افراط او وهم وفي نظرة على المستقبل ولما ترتب وسيترتب على ما حصل نستطيع القول بان التهدئة هي ظرف عابر مؤقت لا يمكن ان يستمر، بل انها ستكون محطة للانتقال الى واحد مما يلي:
1) استثمار المقاومة في غزة لنصرها، والبناء عليه بالمزيد من التسليح وتراكم القوة وثبات الطرف المتمسك بالمقاومة خاصة في حركة حماس في مواقعه الفعالة، الامر الذي سيدفع اسرائيل بعد الفراغ من الانتخابات وتشكيل الحكومة الجديدة الى الخيار بين واحد من أمرين: التسليم بالامر الوقع والدخول في حل جدي للقضية او الدخول في حرب ضد غزة (حرب لا نعتقد انها ستحقق لاسرائيل ما تريد).
2) اعتبار النصر ورقة تفاوضية واستجابة السلطة في القطاع لخيارات المستوى السياسي في حركة حماس المقيم خارج القطاع، الذي بات متحضرا لفكرة التخلي عن المقاومة واعتماد التفاوض سبيلا لاقامة دولة فلسطنية على الجزء الذي تقبل اسرائيل بالتراجع عنه في الضفة الغربية اضافة الى غزة، وهنا سيكون الخطر جديا للمواجهة بين المقاومة في غزة ورافضيها وتتكرر تجربة الضفة الغربية.
لذلك ورغم الانتصار الاكيد الذي تحقق للمقاومة في غزة ورغم ما نسجله من ايجابيات عالية للمقاومين في غزة وتفوقهم على نزلاء الفنادق في الدوحة وقطر واسطنبول الذين انخرطوا بشكل او بآخر في الخطة التي هدفت لاقتلاع المقاومة من غزة الخطة التي نفذت بنار اسرائيلية وحاضنة عربية واقليمية ودولية، فاننا ندعو الى الحذر بعد ان خسرت الخطة جولتها الاخيرة واخفقت في تحقيق الاهداف التي رمى اليها المخطط.
لكننا ومع هذا الحذر تبقى الثقة والطمأنينة للنتائج المستندة الى قوة المقاومة ومحورها وترسانة السلاح الجاهزة بأيديهم. وهنا لا بد من التذكير واستعادة الشريط التاريخي للصراع مع الصهيونية حيث ان خروج مصر من الصراع لم يسقط القضية الفلسطينية بل ظهر من يتمسك بها اكثر، واخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان وابعادها الى تونس بعد احتلال نصف لبنان تسبب في انشاء المقاومة اللبنانية، وتنظيم مقاومة في الداخل الفلسطيني، وان تنازل منظمة التحرير الفلسطينية عن خيار المقاومة في اوسلو لم يؤد الى اسقاط المقاومة الفلسطينية التي وجدت حاضنة عربية واسلامية حفظت للقضية الفلسطينية وهجها، وان تقييد المقاومة في الضفة الغربية لم يصف القضية واليوم تثبت المقاومة ومحورها ان تصفية القضية امر مستحيل وان استهداف هذا المكون او ذاك من مكونات محور المقاومة لن يغير في الواقع من شيء لان المقاومة هي مقاومة امة وشعوب وليست مقاومة افراد ومتزعمين.
ولهذا نقول للغرب الذي يستهدف سورية بصفتها ركن في المحور المقاوم اتعظ مما جرى من مواجهات والتي لن تكون مواجهات غزة آخرها من الهزائم لك.
* أستاذ جامعي وباحث استراتيجي