ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
تدخل آستنة مرحلة حاسمة من الاختبار في جولتها الحالية، حيث الشياطين التي كانت تتربص بالتفاصيل تنتقل إلى العناوين، فأفرغت فيها ما يكفي من عقبات وعراقيل، بما فيها تلك المحسومة من الناحية العملية أو التي لا تحتمل الكثير من الجدل والنقاش،
بدءاً من الخرائط المتعثرة التي أنجزها الفنيون أكثر من مرة أو كادوا حسب التصريحات، وليس انتهاء بآلية المراقبة والمتابعة.. مروراً بما يستجد من مماحكة ليست خارج تأثير الأصابع الأميركية، ويستحيل أن تكون بريئة.
فالمشهد وصل إلى حدود تماس سيكون من الصعب الفصل بين تعرجاتها من دون الأخذ بالناتج الميداني، والأصعب ذاك الجنوح نحو ردم ما يستحيل ردمه، لأن الكثير مما تم الاتفاق عليه كجزء من الحالة التخديرية أو سياق للتهدئة بشقها الإعلامي بات اليوم غير مجدٍ في ظل مدٍ إرهابي مدعوم من أميركا بشكل علني، ويقتات على الاعتداءات الإسرائيلية أكثر من أي وقت مضى، حيث الفارق بين ما كان مقبولاً وما بات ممسوكاً على الأرض يتجاوز تلك الخطوط، خصوصاً في ظل تغيير دراماتيكي بخطوط الإمساك بالأرض بين لحظة وأخرى وتموجات من المد والجزر عقب كل جولة تحدث وأحياناً أثناءها.
فأميركا التي كانت تجاهر برغبتها في فرض معادلاتها على الأرض، قبل أن تكون حاضرة على الطاولة السياسية، لم تعدل الكثير من خياراتها، وأن ما تسربه المصادر الاستخباراتية من تبديل أو اختصار في الأولويات لا يعدو كونه جزءاً من مخزون الاستهلاك الإعلامي، وتلاقيها على الحد ذاته تركيا المأزومة من اتجاهين متعارضين يلتقيان على المقطع نفسه، حيث التناحر الخليجي يلزمها بإعادة الاصطفاف السياسي، فيما التحدي الأميركي لها يتواصل بتسليح من تعتبرهم حتى اللحظة أعداء لا يمكن المساومة في عداوتهم، ولا المبازرة في الحد من الهواجس والمخاوف التي تثيرها العلاقة الأميركية معهم، بعد أن بات الابتعاد بينها وبين واشنطن تحكمه عشرات المعطيات والمؤشرات الجازمة باستحالة تجاوزه في المدى المنظور.
الأخطر يبقى التعويل على الوقت الذي يوظف التركي في بورصته كل أوراقه، ويحاول أن يعيد فيه اللعب على تناقضات المشهد الدولي متسلحاً بموقف أميركي بارد ومتثائب في السلب والإيجاب، ويبقى حمال أوجه بصيغ تختلف أو تتناقض حسب مقتضيات المشهد واعتباراته المختلفة، وإن كان في نهاية المطاف يوصل إلى النتيجة ذاتها، وتحديداً فيما يتعلق بوظيفة الدور الضامن وشكله ومهماته وصلاحيته والأهم أماكن نفوذه، وليس انتهاء بمدى جديته في تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه.
في التجربة ليس هناك ما يمكن التعويل عليه، لأنه من المبكر الجزم بأن النظام التركي بوارد القراءة الصحيحة للأحداث والتطورات، بما فيها تلك المتدحرجة نتيجة التناحر الخليجي، حيث ما يطرحه من عناوين شيطانية يفوق ما هو كامن في التفاصيل منها، وهذا ما يمكن لمسه في المفردات والمصطلحات والصياغات التي تشكل بدورها واحدة من أخطر ما يواجه آستنة، لأن التفسير المتناقض لبعض المفاهيم يعيد إدخال الجولة برمتها إلى عنق الزجاجة، بل يضيف إليها حالات استعصاء سياسي تصعّب من المهمة وتدفع بها نحو خيارات مرّة، وجزء كبير منها سيكون قسرياً بحكم الضرورة.
أميركا لم تعد وحدها التي تحاصر آستنة بحضور أقرب منه إلى الغياب وبدور يضيف فراغات أكثر مما يغلق مساحات، حيث ما يجري تداوله وما يتم تناقله وما يمكن أن ينتج عنه يعكس الرغبة بإجراء استباقي واحترازي يكشف حجم الخيبة الأميركية من المسار على الأرض، بل هناك التركي أيضاً حيث بعض مكوناته دوره جزء من الحصار وإن لم يكن بالطوق ذاته أو وفق خريطة الإحداثيات الأميركية عينها، فالتركي الضامن يجسد تلك الشياطين في تفاصيل المشهد، وما يحاك من صيغ مطاطة قابلة للتأويل وقد تكون حمالة أوجه في قضايا ومسائل خارجة عن سياق المهمة الموكلة لآستنة بحد ذاته.
المفارقة أن أحد أوجه المعضلة التي كانت ولا تزال تمارس دور وضع العصي في عجلات آستنة هي ذاتها، لأن ما يتم الاتفاق عليه يبقى محكوماً بنيات الضامن التركي الذي يداور يميناً ويساراً ويضع قدماً هنا وأخرى هناك في سياق الإمساك المزدوج بحبال الإرهاب، التي تبقى معلقة خلف النيات المسبقة في دعم الإرهاب والتمسك بهذا الخيار، سواء توافقت على الخرائط أم كانت من دونها في سباق اللهاث إلى منصة إضافية للدور الوظيفي، الذي تريد من خلاله أن تحاكي بعض تمنياتها.
a.ka667@yahoo.com