ثورة أون لاين:
مشكلات وعوائق عديدة يعاني منها الطب الشرعي، رغم أنه مهنة تكشف غوامض الجريمة وتستخرج الأدلة والقوانين، وتقع على عاتقه مهام جسام وخاصة خلال فترة الأزمة.
فما الحالة التي وصل إليها الطب الشرعي اليوم؟ وما حاجاته وضوابط عمله ومكانته في المنظومة التعليمة والقانونية، وخاصة بعد مرور ثلاث سنوات على صدور مرسوم إحداث الهيئة العامة للطب الشرعي؟.
لا توجد امتيازات
(الثورة) سألت الدكتور زاهر حمدو حجو مدير عام الهيئة عن واقع الطب الشرعي فأشار إلى نوعين من المشكلات:
ـ نوع يعود إلى ما قبل الحرب، ويتعلق بمستوى القوانين الضابطة لعمله ومستوى جهات الوصاية التي يعمل معها.
ـ نوع يتعلق بظروف معيشته، فعلى المستوى الشخصي الطبيب الشرعي ليس له سوى راتبه وليس لديه أي امتيازات أخرى، مع أنه أكثر الأطباء معاناة لكونه يتعامل مع الجثث وهو معرض للإصابة بالأمراض والمشكلات الصحية، وعمله خطر أيضاً لأنه يتعامل مع أسوأ عينة من المجتمع، وهم المجرمون والقتلة.
وحتى الآن راتب الطبيب الشرعي يتراوح بين 25 ألف و30 ألف ليرة سورية، يضاف إليه بعض التعويضات مثل الخبرات القضائية، والتي هي بالأساس تخضع لمزاجية القاضي، بالإضافة إلى وجود الكثير من القضاة الذين يعتمدون على أطباء من خارج الاختصاص.
وقال حجو: إن هذا الوضع قبل الأزمة كان مقبولاً لأن أجور الخبرات كانت تصل إلى 20 ألف ليرة.. لكنها حالياً مع الارتفاع الكبير للمعيشة أصبحت غير كافية أبداً، خاصة أن الطبيب الشرعي لا يستطيع فتح عيادة ولا العمل في المشافي.
62 طبيباً
وبالنظر إلى الصورة الميدانية لواقع هذه المهنة والحاجة الكبيرة لهذا الاختصاص يتبين أن عدد الأطباء لايتجاوز الـ 62 طبيباً، على مستوى المحافظات مجتمعة، وإذا لم يعاد بناء الطب الشرعي بأسس جديدة سوف نفقد حوالي 30% من الأطباء الشرعيين خلال السنوات العشر القادمة، وقد تصبح المهنة مهددة بالاندثار خلال العشرين سنة القادمة، لأن أصغر طبيب يعمل حالياً في هذا الاختصاص عمره 42 عاماً، بالوقت الذي لا يوجد أي طبيب مقيم في كلية الطب يدرس لصالح هذا الاختصاص. وفي أحسن الحالات يمكن القول: أنه منذ الآن وحتى أربع سنوات لم ولن يتم رفد الطب الشرعي بأي طبيب. إذ لا يوجد طبيب مقيم واحد بغرض الاختصاص في كل سورية ولا أحد يدخل هذا الفرع ليدرس خمس أو ست سنوات اختصاص في ظل الظروف الحالية.
الحل بحسب الدكتور زاهر يكمن في إعطاء هذا الاختصاص حقه وتوضيح أهميته والتحفيز على الدخول في هذه الدراسة وتشجيعهم من خلال الإيفاد إلى الدول الصديقة التي تعنى بهذا الاختصاص وخاصة إيران، ضمن اتفاقيات وكذلك تحسين الوضع المادي لهذا الطبيب الذي يتعرض للكثير من المخاطر.
من خارج الاختصاص
هناك أطباء كثر من خارج الاختصاص يعملون لصالح الطب الشرعي نظراً لعدم وجود كوادر كافية؟ فقد أكد مدير الهيئة: أن من يدير المراكز الرئيسية في المحافظات، أطباء شرعيون اختصاصيون، ولكن في الأرياف يتم التعاقد مع أطباء غير مختصين ويتم تكليفهم بهذه المهمة فمثلاً في طرطوس يوجد 4 اختصاصيين ويوجد 18 طبيباً مكلفاً من غير الاختصاص.. قد يكون طبيب داخلية أو عصبية أو أطفال. يتم انتقاؤه من قبل مديرية الصحة في المحافظة، الأمر الذي قد يؤثر على صحة التقرير.. فالطب الشرعي علم واسع، بخلاف ما يتوقعه الناس بأنه طب الجثث، وعمل الطبيب الشرعي يكون مع الأحياء نسبة 92% مقابل 8% مع الأموات. وبالتالي هو يحتاج إلى اختصاصيين لضمان حقوق الناس المتعلقة بتقرير الطبيب الشرعي، فقد يبقى شخص ما في السجن لأيام عدة، لأن تقرير الطبيب الشرعي بقي مفتوحاً.
كما أن تحديد الجرائم يتم تقييمه من قبل الطبيب الشرعي لتحديد ماهية الحادث، إن كان جريمة أو حادثة انتقام أو غير ذلك.
صورة ميدانية
ما تقدم يبين مهام الطبيب الشرعي المختلفة من فحص الإيذاء الجسدي وحالات العنف والمشاجرات وحوادث السير وضحايا الاعتداء الجنسي، ومواضيع الأمراض النفسية والتحويل إلى المشافي، وإصابات العمل والأخطاء الطبية.
وقد وصفه الدكتور زاهر بمختار الأطباء، باعتباره شريكاً باللجان المختصة بتحديد المشكلات، وعليه أن يلم بجميع العلوم الطبية. مبيناً الحاجة السريعة إلى وضع حلول مادية، وإيفادات خارجية تشجع الطلبة على دخول هذا الاختصاص ودراسته. والإقرار السريع في موضوع التعويضات.
مجرد مكان
وأكد حجو أن قرار إحداث الهيئة قفزة نوعية في عمل هذا الطب المظلوم، إلا أنها ما زالت كالمولود الجديد، وأن العمل لم يبدأ بشكل فعلي إلا منذ فترة قريبة، فحتى الآن هي مجرد مكان وموظفين، فجميع مراكز الطبابة الشرعية الموجودة في المحافظات، والمسماة مجازاً بهذا الاسم، غير تابعة للهيئة بل تتبع لمديريات الصحة، وبالتالي الخطوة الأولى التي يتم العمل عليها حالياً، اتخاذ قرار بإلزام الأطباء الشرعيين، وربط الطبابات الشرعية في المحافظات بالهيئة العامة، ورفع السوية العلمية والمادية للطبيب الشرعي عن طريق وزارة الصحة، وبهذا الخصوص اجتمعت اللجنة المكلفة، وأخذت التوصيات، وحالياً بانتظار القانون الذي سيشكل نواة تطوير الطب الشرعي في سورية.
شح بالمعدات والتجهيزات
المشكلة المهمة التي طرحها مدير الهيئة تتعلق بالنقص الكبير في المعدات والتجهيزات اللازمة لعمل الطبيب الشرعي، من مخابر وأدوات ومراكز خدمة. متحدثاً من خلال تجربته الشخصية خلال فترة الحرب، عندما كان في حلب حيث قام بتشريح 11 ألف جثة بواسطة مشرط عادي وتعرض للكثير من الأمراض والانتانات، وبخاصة بعد أن احتل المسلحون مركز الطبابة الشرعية واستولوا على المعدات والبرادات التي كان يتم فيها حفظ الجثث، فتفاقمت المشكلة، وأصبح الأطباء الشرعيون يمارسون عملهم في غرفة صغيرة في مشفى الجامعة وفي الممرات.
وبنفس السياق ذكرنا حجو بأهمية التقارير التي قدمها الأطباء الشرعيون في حلب وجسر الشغور حول الجرائم التي ارتكبها الإرهابيون المسلحون، حيث أسهمت بالتأثير بالرأي العام العالمي. الموضوع الذي تناقلته أكثر من 122 وسيلة إعلامية عربية وأجنبية تم من خلاله كشف زيف الإعلام الغربي وتقاريره البعيدة عن الحقيقة، لافتاً إلى الدور المهم للطب الشرعي في هذا الوقت رغم إمكانياته المتواضعة.
لا يوجد حماية قانونية
وبحسب مدير الهيئة، ليس هناك حماية قانونية للطبيب الشرعي، فمن يخطئ في تقريره بدون قصد، سوف يحبس، حيث يعتبر التقرير كاذباً.
كما أنه لا يوجد تقدير لعمل الطبيب الشرعي، وحتى الآن تعتبر المديريات في المحافظات أن الطبيب الشرعي موظف لديها، يأتمر بما تقرره ولا يغيب موضوع التداخلات في عمله، موضحاً أن المرسوم الذي صدر بإحداث الهيئة من شأنه أن يصحح مسار المهنة، ولكن لم يتم تفعيله، وما تحقق منه فقط هو اسم الهيئة العامة مع أنه يحمل الكثير من الامتيازات للطب الشرعي ومنها طابع الطب الشرعي، ولو طبق بشكل كامل فسوف يساهم في رفع السوية العلمية والمادية بشكل ممتاز ما سوف ينعكس إيجاباً على العدالة وحقوق الناس.
تعدد جهات الوصاية
بالإضافة لغياب القوانين الناظمة لعمل الأطباء الشرعيين، هناك تعدد لجهات الوصاية لعملهم، حيث لكل جهة من وزارات الصحة والداخلية والعدل نصيب فيه، ولعل ذلك من أكبر معوقات تطوير هذه المهنة.
وهذا التداخل هو ما حتم وجود هيئة ناظمة لهذا العمل لتنسيقه ولتصبح صلة الوصل بين هذه الجهات وهي التي تنسق للطبيب الشرعي آلية العمل والمراجعة بين هذه الجهات.
فقد بين مدير الهيئة أن الطبيب الشرعي يتبع بشكل منطقي إلى وزارة الصحة ولكنه يقدم خدماته للعدل والداخلية.. هذا التعدد في التبعية جعل الطب الشرعي قبل صدور مرسم إحداث الهيئة بحاجة إلى dna لمعرفة من أبوه وأمه.
وحول ما يشاع من عدم نزاهة أغلبية التقارير الشرعية في ظل تعدد الجهات المرتبطة بالمشكلة والحدث؟ لم ينف حجو وجود بعض حالات الفساد، التي تعود بأغلبها إلى أن دخل الطبيب الشرعي غير الكافي والذي لا يتناسب مع مهامه ومسؤولياته، ومع ما يتعرض له من إصابات وأمراض مقابل راتب شهري متواضع.
المخابر لا تفي بالغرض
تساؤلات عديدة حول مصير وعمل مخبر السموم الشرعية، الذي تم تجهيزه منذ ست سنوات بتكلفة 40 مليون ليرة سورية؟ ومركز الحمض النووي dna الذي افتتح منذ ثلاث سنوات؟ وهل هما خارج الخدمة؟ حول ذلك أفادنا الدكتور زاهر:
أنه حالياً يتابع كل شيء بشكل رسمي بعد أن تسلم مهامه مؤخراً منذ فترة قريبة، ويعمل من أجل ضم المخبرين إلى إدارة الهيئة بسبب الحاجة الماسة لهما وبخاصة مخبر الحمض النووي.
وقال: من المفترض وجود عدد من المخابر في حلب وفي المنطقة الوسطى وفي المنطقة الساحلية، لأن ما هو موجود من تجهيزات حالياً لا يفي بالغرض، فهناك الكثير من الجثث المجهولة الهوية ولم يتم التعرف عليها. فقد كان هذا الجانب يشكل قبل الحرب 8% فقط، لكنه ارتفع خلال الحرب إلى 25% بمقابل 75%من التعامل مع الأحياء. فعلى سبيل المثال وبحكم عمله خلال فترة الحرب في حلب يوجد 1800 جثة مجهولة الهوية، وما كان يصل للطب الشرعي في حلب بشكل يومي يعادل 200 جثة في اليوم. فهناك حالات كثيرة غير موثقة، ولا يوجد ربط بين المخابر والمراكز في المحافظات.
بانتظار الموازنة الاستثمارية
وتحدث حجو عن خطة عمل جديدة لتنظيم عمل الهيئة بالتعاون مع المنظمات الدولية، والقيام بالعديد من دورات التأهيل للأطباء المكلفين والعاملين فيه، وورش عمل مستمرة مع الصليب الأحمر، كاشفاً عن وجود خطة للعمل مع منظمة الصحة العالمية دائرة التعاون الدولي في وزارة الصحة التي تتولى مسؤولية التنسيق مع الجهات العامة، وذلك لرفع السوية العلمية للكوادر، والتأكيد على حساسية المهنة ونزاهة التقارير المقدمة لخدمة العدالة. كما يوجد خطة لإيفاد أطباء شرعيين إلى قبرص لتدريبهم ويوجد ورشات عمل مع الصليب الأحمر للبحث في موضوع الكشف عن الجثث مجهولة الهوية ودراسة تجربة المقابر الجماعية. إلا أن تطوير خطة عمل الهيئة يرتبط بمناقشة موازنة عام 2018 إذ لا يوجد موازنة استثمارية حالية. وهناك تعاون مع الوزارة بهذا الموضوع.