ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
تتماهى حالة النزق السياسي والفكري، التي تجتاح عقول الكثير من ساسة الغرب مع سياق المنتج الإرهابي، الذي يقود العالم إلى مشهد تتقاطع فيه النتائج، فيما تتطابق على خلفيته مخرجات خطابهم،
بحيث تختلط الأمور على الكثير منهم، بمن فيهم الرئيس الفرنسي ماكرون، الذي يتحدث عن مبادرة حول سورية ينوي تقديمها، وتطرح الكثير من النقاط المثيرة للغرابة، ومنها مثلاً تعديل النظام السياسي أو طرح نظام سياسي جديد.
في التجربة مع الفرنسيين وأفكارهم ثمة حاجز نفسي واضح، خلقته على أرض الواقع تراكمات إرث سياسي متخم بالكثير من التجني على السوريين وحقوقهم وتاريخهم، وفي الممارسة العملية مع السياسة الفرنسية الحالية بتعدد نماذج وجودها هناك تراكمات كبرى من القضايا الشائكة، التي كانت فيها فرنسا عدواً مباشراً للسوريين من خلال دعم الإرهاب وتوفير الأسباب السياسية واللوجستية لتفشي الظاهرة عبر مواقف أوغلت السياسة الفرنسية في عداونيتها إلى درجة سبقت الكثير من الغربيين، وتفوقت أحياناً على الأميركيين أنفسهم، بعد أن شكلت قاطرة تقود المواقف الأوروبية بالشراكة مع البريطانيين لإبداء عداوة غير مفهومة مع سورية وشعبها.
وفي السياق الذي جاء فيه الحديث الفرنسي تتزاحم سلسلة لا تنتهي من المفارقات، التي تنطوي على عبثية سياسية تعكس في جوهرها -وإلى حد بعيد- واقع حال السياسة الفرنسية وساستها، الذين يتقاذفون كرة التجريب السياسي يميناً ويساراً لتعود إلى المربع ذاته، الذي انطلقت منه، حيث المسألة محسومة وقبل أي جدل بأن ما يطرحه يأخذ القضية إلى موقع آخر، ويحاول أن يداور ويناور ضمن الهامش الأميركي بحثاً عن دور وظيفي جديد في المنظومة الأميركية بنسختها الترامبية، ويتناغم مع الحالة المقلوبة والمعادلة المعكوسة في سياق الفهم الحقيقي لتداعيات ما يجري، حيث السؤال الجوهري: هل المشكلة في النظام السياسي أم هي في ذاك الإرهاب المنتج والممنهج داخل المنظومة الغربية؟ والتي كانت فيها فرنسا حجر رحى على مدار أعوام خلت..؟!!
في الاتجاه الأول ندرك أن هناك عيوباً، وهي تتشابه مع كل العيوب الموجودة في الأنظمة السياسية بالعالم، وإن اختلفت النسبة أو تباينت، بما فيها الفرنسي ذاته الذي أنتج خلال ستة أشهر واقعاً سياسياً يتيح اكتساح الانتخابات البرلمانية بعد أن أوصل رئيساً مغموراً وغير معروف على بساط السياسة الفرنسية إلى قصر الإليزيه، وتتراكم حوله الكثير من إشارات الاستفهام وعلامات التعجب، لكن على المقلب الآخر فإن الكثير من تلك العيوب والنواقص القائمة هي منتج فرنسي ومن إرث النظام الفرنسي ذاته، ونجزم هنا أننا بحاجة مطلقة للتخلص مما علق بالنظام السياسي السوري من شوائب وحتى أخطاء ناتجة أو تشكلت نتيجة الأخذ القسري ببقايا ما زرعه الاستعمار الفرنسي، وفي الحد الأدنى نتيجة ما راكمه في سنوات احتلاله لسورية، وبالتالي من المحسوم عملياً ألا تأخذ أي عملية استدراك بما يطرحه الفرنسيون ورئيسهم القادم من تجربة لا تزال تداعياتها تثير الكثير من الأسئلة المريبة في طريقة وصوله للرئاسة.
في الاحتمال الثاني، وهو الواقع العملي لكل ما تعانيه سورية وما تواجهه المنطقة والعالم، ويحاول من خلالها الرئيس الفرنسي أو يوطن أكاذيب الغرب بطريقة عجز عنها بالإرهاب وفشل فيها عبر حروب وكالة المرتزقة والدول الوظيفية داخل المنطقة وخارجها، فالقضية ليست في مواجع وعيوب النظام السياسي، ولم تكن في يوم من الأيام، بقدر ما هي في الإرهاب وفي حماته ورعاته ومموليه والمراهنين عليه لتحقيق أطماعهم الشرهة للتحكم بالدول والشعوب وتحديد مصيرها، حيث الطرح الفرنسي لا يختلف عن ذلك في شيء.
الأهم من هذا وذاك وحتى لو افترضنا أن هناك حاجة لأي خطوة بهذا الاتجاه، فبالتأكيد لن تكون عن طريق الفرنسيين ولا غيرهم، بل هي منتج سوري لمعالجة شأن سوري بحت من غير المسموح التدخل فيه، مضافاً إليها أن أهلية الفرنسيين لهذا الدور تحول دونها مسافات ضوئية في السياسة، بحكم ما تعانيه المؤسسة السياسية الفرنسية من خروج فظ على أدبيات النهج الفرنسي والتجربة الفرنسية في مضمار العمل السياسي، التي ساقتها سياسات فرنسية قادها ساسة يحتاجون لكثير من التأهيل السياسي، وأحياناً ما هو غير سياسي.
لذلك قد يكون من الأجدى للرئيس الفرنسي أن يهتم بما تعانيه فرنسا، وأن يقدم مبادراته لمعالجة تلك المشكلات، التي يشكل وجوده جزءاً منها، وربما كان الأجدى أن يوفر جهده للبحث عن طريق تستعيد فيه فرنسا ما خسرته وما فقدته من وزن سياسي، جعلها أقرب إلى دولة وظيفية في خدمة الأطماع الأميركية، وإن كانت لا تزال تلوّح بسياط عضويتها الدائمة في مجلس الأمن، التي تحتاج إلى مراجعة أكيدة بعد ان استغلتها مراراً وتكراراً لارتكاب موبقات سياسية وأخطاء ومغالطات لا تقع فيها الدول الناشئة أو شبه الناشئة.
المقاربة الفرنسية لم تكن خاطئة ومرفوضة فحسب، بل أيضاً انتهجت الأسلوب الخاطئ والمستهجن شكلاً ومضموناً، حيث الأستذة السياسية باتت موضة لا سوق لها، وفقدت فعاليتها، كما تجاوزت الأحداث صلاحيتها، وما تحتاجه المنطقة وسورية ليس أنظمة سياسية، لتكون على مقاس الأطماع الغربية عموماً، وتحاكي الإرث الاستعماري المأفون، بل أن يكفّ الغرب عن عدائيته المتوحشة، سواء كانت بالإرهاب المصنّع في أقبية استخباراته، أم داخل حجرات ساسته، أو من خلال أكاذيب وفبركات يتسابق الفرنسيون على ترويجها ويلهثون خلف تسويقها، والأهم أن يكف عن النبش في إرث استعماري لا تحمل الذاكرة البشرية، والسورية منه خصوصاً، إلا ما احتواه من تجنٍ وعدوان وقهر واستغلال وصل حد التخمة ماضياً، وبعض من تذاكٍ سمج لساسة بنسخة مشوهة وأكثر فظاظة حاضراً..!!
a.ka667@yahoo.com