بين الحصار والانفراج.. هل تفتح المصارف السورية أبواب العالم؟

الثورة – جاك وهبه:

في الاقتصاد العالمي الحديث، لم يعد بالإمكان فصل أي دولة عن النظام المالي الدولي دون أن تدفع ثمناً باهظاً، وتُعد “بنوك المراسلة” إحدى الأدوات الأساسية التي تتيح للمصارف المحلية إجراء معاملات خارجية، من تحويلات مالية وتمويل تجاري وتسهيلات ائتمانية، وبالتالي فهي تمثّل شريان الحياة للتواصل المالي مع العالم.

في سوريا، التي تعيش عزلة مصرفية منذ أكثر من عقد، يُنظر إلى عودة العلاقات مع البنوك المراسلة كأحد مفاتيح كسر الحصار المالي والتمهيد لإعادة الاندماج الاقتصادي، وفي هذا السياق، تتعالى الأصوات الرسمية مؤخراً معلنة اقتراب هذه اللحظة، فهل اقتربت المصارف السورية فعلاً من كسر عزلتها الدولية؟ وهل الطريق إلى “بنوك المراسلة” مفتوح؟ أم أن التحديات القانونية والسياسية لا تزال تقف حجر عثرة أمام هذه العودة؟.

تصريحات رسمية متفائلة

في تصريح لافت، أكد حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر حصرية، أن جميع المصارف السورية سيصبح لديها بنوك مراسلة في غضون أسابيع، مشيراً إلى جهود حكومية حثيثة للتقارب مع كبرى المصارف الأميركية، لفتح مكاتب لها داخل البلاد وإقامة شراكات محلية.

وأضاف حصرية، في حديثه للاعلام إن تجاوز الاقتصاد الأميركي الذي يشكّل أكثر من 26.1% من الناتج العالمي أمر غير ممكن، في إشارة واضحة إلى ضرورة الانفتاح على واشنطن ومؤسساتها المالية.

كما أشار إلى التزام القطاع المصرفي السوري الصارم بالمعايير الدولية، ولاسيما في ما يخص مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، مؤكداً أن المصارف السورية قدمت شرحاً وافياً حول الإجراءات المتبعة في هذا الشأن.

ولفت الحاكم إلى أن المصرف المركزي يعمل ضمن رؤية شاملة لإعادة دمج سوريا في النظام المالي العالمي، من خلال تحديث النظم المصرفية ومراعاة المعايير الدولية.

وأكد أن هذا الدمج لا يتم بقرار لحظي، بل هو “ممارسة” مستمرة، تبدأ برفع العقوبات، وتمر بإقامة علاقات مصرفية دولية، وتنتهي بترخيص مؤسسات مالية جديدة تعمل في بيئة متكاملة.

العقوبات لا تزال حجر عثرة

لكن رغم التفاؤل الذي جاء في تصريحات الحاكم، تبقى التحديات أمام هذا الانفتاح المصرفي حاضرة وبقوة، كما يؤكد الخبير في الشؤون الاقتصادية الدكتور يحيى السيد عمر، في تصريح خاص لصحيفة الثورة.

فبحسب السيد عمر، يواجه القطاع المصرفي السوري عقبات كبيرة في إقامة علاقات مع بنوك مراسلة دولية، وعلى رأسها العقوبات الأميركية، التي لا تزال تشكّل عائقاً جوهرياً رغم رفع جزء منها، إذ أشار إلى أن هذه العقوبات تضعف ثقة المجتمع الدولي بالنظام المصرفي السوري، ولا تشجّع على إقامة علاقات معه.

وأكد أن إزالة العقوبات وحدها لا تكفي، بل يتطلب بناء الثقة التزاماً حقيقياً بمعايير مالية وقانونية دولية، من بينها الإفصاح، الامتثال، ومكافحة غسل الأموال، وهي جوانب تستوجب إصلاحات عميقة وشاملة في البنية القانونية والتنظيمية للمصرف المركزي والمصارف التجارية.

وفيما يتعلق بالجهود السورية للتقارب مع المصارف الأميركية الكبرى، أشار السيد عمر إلى أن ذلك “ممكن لكن صعب في المدى القصير”، موضحاً أن البنوك الأميركية ملتزمة بالتشريعات الفيدرالية وقوانين الامتثال، وتحتاج إلى إشارات رسمية من وزارة الخزانة الأميركية (OFAC) قبل أن تبدأ أي علاقة عمل مع الشركاء السوريين.

بين الطموح والإصلاح البنيوي

ولفت إلى أن النظام المصرفي السوري يعاني حالياً من “ترهّل واضح وتراجع حاد في الفاعلية”، وهي عوامل تؤثر مباشرة على استعداد البنوك الدولية، وخاصة الأميركية، للتعامل معه.

وأكد أن أي اختراق حقيقي في هذا الملف يتطلب أولاً تحديثاً شاملاً لهذا النظام، أما عن إمكانية إعادة دمج سوريا في النظام المالي العالمي، فقد لفت السيد عمر إلى واقعية هذا الهدف على المدى المتوسط إلى الطويل، لكنه أشار إلى أنه مشروط بوجود تحول سياسي كبير، وإعادة بناء الثقة بالمؤسسات السورية، وفي هذا السياق، أشار إلى أهمية ما وصفه بـ”الغطاء السياسي” و”الإصلاح المؤسسي العميق” و”الاستراتيجية الدبلوماسية المالية الممنهجة”.

كما لفت الخبير في الشؤون الاقتصادية إلى أن خطوات الدمج تتطلب الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية الخاصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتعاون مع مؤسسات دولية مثل صندوق النقد والبنك الدولي، لإعادة تقييم وتصنيف المخاطر السيادية والمالية لسوريا، بما يتيح للمصارف الدولية التعامل معها من موقع أمني وقانوني مستقر.

باختصار، ورغم التصريحات المتفائلة، يتطلب كسر العزلة المصرفية عن سوريا أكثر من نوايا حسنة، فالأمر يحتاج إلى جهد تراكمي، وتحوّل هيكلي في البيئة السياسية والمالية، قبل أن تعود الثقة إلى النظام المصرفي السوري وتُعاد صلاته بالعالم.

ويبقى السؤال مفتوحاً: هل تمضي هذه الخطط في مسار عملي، أم تبقى مجرّد تصريحات تنتظر تحول الظروف الدولية؟ الزمن كفيل بالإجابة.

آخر الأخبار
محافظ حلب : دعم القطاع التجاري والصناعي يشكل  الأساس في عملية التعافي د. الرداوي لـ "الثورة": المشاريع الكبرى أساس التنمية، والصغيرة مكمّلة مبادرة "تعافي حمص"  في المستشفى الجامعي اندلاع أكثر من عشرة حرائق في اللاذقية وإخماد ثلاثة منها حريق يستعر في حي "دف الصخر" بجرمانا وسيارة الإطفاء بلا وقود تسريع إنجاز خزان المصطبة لمعالجة نقص المياه في صحنايا صيانة 300 مقعد دراسي في مدرسة المتفوقين بحمص صيانة 300 مقعد دراسي في مدرسة المتفوقين بحمص معالجة التعديات على عقارات المهجرين.. حلب تُفعّل لجنة "الغصب البيّن" لجنة فنية تكشف على مستودعات بترول حماة الشمس اليوم ولاحقاً الرياح.. الطاقات المستدامة والنظيفة في دائرة الاستثمار صياغة جديدة لقانون جديد للخدمة المدنية ..  خطوة مهمة  لإصلاح وظيفي جذري أكثر شفافية "الشباب السوري ومستقبل العمل".. حوار تفاعلي في جامعة اللاذقية مناقشات الجهاز المركزي مع البنك الدولي.. اعتماد أدوات التدقيق الرقمي وتقييم SAI-PMF هكذا تُدار الامتحانات.. تصحيح موحّد.. وعدالة مضمونة حلاق لـ "الثورة": سلالم التصحيح ضمانة للعدالة التعليمية وجودة التقييم "أطباء بلا حدود" تبحث الواقع الصحي في درعا نهضة جديدة..إقبال على مقاسم صناعية بالشيخ نجار وزير الخارجية اللبناني: رفع العقوبات عن سوريا يساعدها بتسريع الإعمار ترميم قلعة حلب وحفظ تاريخها العريق