ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
كان لافتاً أن تستميت منظومة العدوان لتمرير القرار الأممي بأي ثمن، وعندما بدا أنه غير قادر على تلبية ذرائعها استولدت السعار السياسي والإعلامي والدبلوماسي والميداني الموازي له بأكاذيب وفبركات خرجت من التداول.. وإن بدت الأسباب في جزء منها واضحة وعلنية وصريحة، فإن القسم الآخر لا يزال طي الكتمان،
حيث ما تثيره الزوابع القادمة من كواليس المنظومة، والتي تخرج بشكل عرضي يؤشر إلى أحد أهم المعطيات الرائجة حول تلك الاستماتة في تحضير مسبق لمسرح الأحداث وما يليه.
فالهدف المعلن والصريح أن يتم تأجيل الحسم في الغوطة الشرقية مهما تكن العواقب والاحتمالات، أو في الحد الأدنى فرملة الاندفاعة، فيما كانت البروباغندا المنسقة، وتورم ردود الفعل الأميركية بلغة التهديد والوعيد التي وصلت الى التلويح بالعدوان المباشر، تنبش في أوراق الماضي والحاضر وما افترضته مستقبلاً، وجيّرت في سبيلها كل الأدوات الممكنة ورفعت من منسوب استنفار عدوانيتها إلى حده الأقصى، بما في ذلك استعمال المنبر الأممي وتحويل جزء مهم من كادر المنظمة الدولية إلى دور وظيفي، أحال معه المنظمة الدولية إلى شاهد زور ومصدر لاختلاق الأكاذيب والفبركات..!!
المسألة باختصار لا ترتبط فقط بما يدور من خوف على الإرهابيين، ونحن بالتجربة نعرف وندرك جميعاً أن أميركا لا تلعب بالأوراق الخاسرة، ولا تحتفظ بالأدوات المفلسة، وتمتلك القدرة على تدوير الزوايا والمواقف، وتبدل خياراتها إلى درجة أنها تصبح على غير ما تمسي عليه، وأحياناً في اليوم ذاته، وإذا كان هذا العامل حاضراً فإنه آخر اهتمامات الإدارة الأميركية وفي ذيل أولوياتها، وقد سبق أن تخلت عنهم غير مرة، وهذا ما يثير السؤال الملح عن الأسباب والعوامل التي تجعل هذه الإدارة متمسكة بإرهابيي الغوطة الشرقية بهذا الشكل؟!
في الإجابات المتداولة تتاح مروحة واسعة من الخيارات التي قد تكون جزءاً من بنك أهداف تحققها أميركا في الدفاع عن الإرهابيين، وقد يجتمع أكثر من هدف يدفع بالإدارة الأميركية إلى الاستماتة في هذا الدفاع، لكنها جميعها لا تقدم إجابة محكمة يمكن أن تكون مقنعة ولا تستطيع أن تحاجج في كثير منها، لتبقى عاجزة عن الإحاطة بتلك الإجابة.
فالانزلاق الأممي في ممر الكذب الأميركي ومنظومة العدوان لا يأتي عفو الخاطر، وليس وليد محاولة إرضاء لأميركا في ظروف عادية، بل يُشتّمّ منه رائحة ضغوط هائلة جرت ممارستها والتلويح بوعيد وتهديد مبطنين، وحالة استلاب لا سابق لها في قياس ردة الفعل، وإحكام السيطرة المطلقة على المنابر الأممية لتكون أداة ضغط إضافية في الافتراء الأميركي، فيما تطبق الصمت عن العدوان الذي يمارس يومياً بحق السوريين من أميركا وتركيا والمجازر التي ترتكب يومياً من تحالف العدوان الأميركي، وتبتلع لسانها حيال الرَّقة وسواها مما دمره هذا العدوان، والأخطر «تعاطفها» مع التنظيمات الإرهابية إلى حد الانحياز الواضح.
هذه العوامل مجتمعة تدفع إلى الجزم بأن وراء الأكمة ما وراءها، وما ظهر ليس بأكثر من رأس جبل الجليد الذي تتكشف خفاياه، وتدور حوله الأحاديث داخل أروقة منظومة العدوان، وتتعلق في جوهرها بمقاربات تتحدث عن دور الاستخبارات الغربية والإقليمية، وتورطها في دعم التنظيمات الإرهابية في الغوطة الشرقية، والتي تكشف عن أبعاد هذا الدور ومخاطره، والقرائن المتوافرة التي تحتاج إلى وقت لسحبها أو إتلافها، بما فيها الثقوب السوداء التي تفرخ الإرهابيين، وهو ما يفسر جزئياً هذا الاستقتال في تأجيل معركة الغوطة، خصوصاً أن التقديرات الغربية كانت تؤشر إلى استبعاد حدوث المعركة، ورغم توافر بعض الأدلة فإنها لم تكن تأخذ بها، باعتبار أن الأنظار كانت متجهة إلى مكان آخر، والتقديرات كانت تشير إلى أولويات أخرى، وقد يكون تحرك الجيش السوري مفاجأة غير محسوبة.
أميركا لا تترك شيئاً للمصادفة، ولا تتحرك أيضاً من فراغ في كل خطواتها، وقصة الكيماوي وفبركاته ورقة محروقة لا تتردد في التلويح بها، وإبقائها قيد التداول السياسي والإعلامي لإدراكها المسبق بأن مفاجآت عديدة بانتظارها، وأن الأمور تكاد تفلت من يديها، وتخرج من نطاق سيطرتها، فكانت تفتح هذه الأوراق بمناسبة ومن دون مناسبة.. تستخدم بعضها وتلوّح بالبعض الآخر لأنها لا تريد أن تخرج خالية الوفاض.
الأهم أن سيل المفاجآت ليس حكراً على خطوات ميدانية ستقلب المعادلة وتحسم الجدل، بل تباشيره الأولى تؤشر إلى نوع آخر في السياسة والدبلوماسية.. وصولاً إلى الاستخبارات، وتحديداً الأميركية، حيث تباكيها على النصرة مثلاً لا يحمي مرتزقتها من المسميات الأخرى، والحديث الروسي وضع النقاط على الحروف، فيما يتكفل السوريون بوأد الكثير من الفراغات والثقوب السوداء التي تختلقها أميركا رغم تدحرجها وفق أجندات منظومة العدوان، وهو ما يثير هلع إدارة ترامب واستخباراته، فأوراق سورية وأوراق حلفائها لم تنضب، بل إن كثيراً منها لمّا يستخدم بعد.!!
a.ka667@yahoo.com