ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
تعكس المناورة الأميركية الإسرائيلية التي تجري اليوم تحضيراً مباشراً لسيناريوهات متعددة تحاكي في أهمها شهية العدوان المفتوحة، خصوصاً أنها محكومة بأجواء التصعيد السياسي والدبلوماسي والإعلامي.. وصولاً إلى الميداني، الذي تعددت فيه الاحتمالات لكن الهدف واحد،
حيث تكشف إلى حد بعيد عن مدى جاهزية العدوان لممارسة طقوسه المعتادة، وتفتح المنطقة على أكثر المقاربات سخونة في ظل إيحاءات سياسية وعسكرية تلامس عتبة المواجهة المفتوحة.
ويترافق ذلك بسخونة مشابهة وربما غير معتادة في أجواء العلاقات الدولية على ضوء ما أثارته وتثيره التجاذبات التي أعقبت حديث الرئيس الروسي، والرسائل الساخنة التي انطوت عليها والتي تشي بتشنج العلاقة مع الغرب، وردود الفعل الأميركية والأوروبية التي وجدت فيها فرصة لرفع السقف بصورة غير مسبوقة من التهديد والوعيد، وتحدياً لم تعتد عليه أو على الأقل لا تريد الاعتراف به في ظل تمسكها بالتفرد بمشهد العلاقات الدولية والقطبية الأحادية.
توقيت المناورة جاء متزامناً مع حالة استنفار قصوى لمنظومة العدوان، وقد جاء مسبوقاً بكثير من الدعاية التي تجري في ظروف لا تحتمل فيها المنطقة أي حماقة سياسية أو عسكرية، ونذر ما يلوح في الأفق يؤشر إلى ما هو أكثر من الحماقة باعتبار أن الولايات المتحدة الأميركية- كما إسرائيل- لها حساباتها ومعادلاتها وقواعد اشتباكها، وربما بنك الأهداف الذي تحاكي من خلاله الرغبة في التصعيد ورفع منسوب السخونة في أي مواجهة.
والأخطر ربما جاء على ألسنة قادة العدو الإسرائيلي العسكريين الذين أنجزوا الخطة للحرب القادمة، وينتظرون موافقة القادة السياسيين لتبنيها من أجل التنفيذ، والمناورة هنا قد تكون الاختبار الأخير لمحاكاة هذه الحرب ومدى جاهزية البنية العسكرية وآليات التنسيق والتعاون مع الأميركيين، باعتبار أن إسرائيل حددت مسبقاً حاجتها للمساعدة الأميركية في هذه الحرب التي تطل برأسها من بين سطور التقارير العسكرية الإسرائيلية، ومن ضمنها عوامل التأمين من القذائف الصاروخية، وتعنى بشكل مباشر برفع الجاهزية والتنسيق مع أدرع الدفاعات الأميركية.
هذا التشبيك في أذرع العدوان وخيارات المنظومة المنضوية تحته يشكل حالة استباقية تريد أن تبني عليها في المناورات القائمة، باعتبار أن المناورات ليست ترفاً تمارسه أميركا وأدواتها، بقدر ما تعبر عن نيات مبيتة وواضحة بالتصعيد، خصوصاً مع المؤشرات التي قامت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بالإفصاح عنها، وهو إفصاح لا يخلو من رسائل صريحة بالغايات، ويعكس إلى حد بعيد الخطوات اللاحقة.
المفارقة أن التسخين المتعمد يأخذ في سياق المشهد مجموعة من التدابير المنسقة على مستويات مختلفة، وتضاف بمجملها إلى الخطوات التصعيدية التي تدفع بالمنطقة لأن تكون محطة صراع تحتدم فيه المواجهة الدولية، بحيث تزدحم على رقعته المعارك والمواجهات الكبرى والصغرى.
المنطقة لا تحتمل المزيد من الحماقات، ويصعب عليها أن تتسع لكل هذه الصراعات والمواجهات القتالية والمتعددة الأقطاب، وهذا ما يفترض تلقائياً البحث عن مطارح تصلح لتكون ساحات إضافية للمواجهة، حيث بات من شبه المحسوم أن تمتد إلى خارج المنطقة، وأي انزلاق فيها ستكون شراراته أبعد بكثير مما تفترضه قياسات وحسابات أميركا وإسرائيل معاً.
الأدهى أن تكون تجارب الحروب واحدة من المؤشرات التي يمكن الاستدلال عليها، ومنها على حجم الاستعصاءات القادمة، وأن المناورة الإسرائيلية الأميركية هي جزء يسير مما هو قادم، وربما تكون مجرد عيّنة متواضعة من حروب اصطنعتها أميركا لتكون على مقاس أطماعها، لكن حسابات البيدر العدواني لن تطابق حسابات حقل الأطماع الغربية، وهو ما يمكن استنتاجه ببساطة من رفع سقف المواجهة، بحيث تصبح أبعد من مناورة وأخطر من تصعيد.
a.ka667@yahoo.com