ثورة أون لاين:
بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
لم تكن مراسم أداء الرئيس بوتين اليمين الدستورية لافتة ومؤثرة فحسب، بل كان الكثير مما جاء في خطابه مملوءاً بالمواقف التي حددت- في خطوط عريضة- ملامح سياسته مع بدء الولاية الجديدة، وربما تمكنت روسيا من رسم صورة خطابها للسنوات القادمة بكثير من الإتقان،
وحددت بدقة جملة من التفاصيل الواضحة، التي طبعت في الأذهان صيغ مرحلة جديدة لابد من أخذها بعين الاعتبار عند الحديث عن روسيا في عهد بوتين.
وبغض النظر عن الكثير من المحددات التي باتت شبه محسومة لدى السياسة الروسية، فإن المسألة تتجاوز بأبعادها جملة الرسائل الداخلية والخارجية التي خطتها كلمات الخطاب، وأسست بشكل منهجي للخطوات القادمة، باعتبار أن التحديات الماثلة لدى روسيا أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، وخصوصاً في شقها الخارجي، والتي لم تكن تحتاج إلى كثير من الشرح، ولا تستدعي الإسهاب في التفسير، حيث روسيا في عهد بوتين تعيد بناء العلاقات الدولية ومشهد النظام العالمي المأمول على قواعد من الشرعية الدولية التي فقدتها في عقودها الماضية، أو على الأقل كانت مستباحة في ظل الهيمنة الغربية والأحادية الأميركية.
فروسيا التي كانت حجر الزاوية في رسم ملامح الطموح العالمي بإعادة التوازن للعلاقات الدولية، وقد خاضت في سبيل ذلك حروباً دبلوماسية ساخنة ومشهودة، سواء أكان عبر منصة مجلس الأمن الدولي أم من خلال المنصات العالمية المختلفة، وعلى المستويين الإقليمي والدولي انطلاقاً من الدور الفاعل والسمات المباشرة التي أضفاها دور الرئيس بوتين على السياسة الروسية، والتي كانت نقطة انطلاق باتجاه تأسيس منصة سياسية لمواجهة الهيمنة الغربية.. وتحديداً الأميركية منها، باعتبار أن المواجهة تشعبت في قضايا مفتوحة على مصراعيها مع التغول الأميركي وحالة الاستلاب التي دفعت بكثير من دول أوروبا لتفقد أي تأثير في مشهد العلاقات الدولية، حين بالغت في طواعيتها المفرطة للهيمنة الأميركية.
وجاءت الدبلوماسية الروسية التي حددها الرئيس بوتين لترسم إحداثيات إضافية داخل المشهد وخارجه، حيث أجادت التعاطي مع مختلف التحديات التي برزت، وفي بعض تفاصيلها وصلت إلى الإتقان، واتصفت بالبراعة في محاكاة أوجه الصراع المحتدمة، وتمكنت في نهاية المطاف أن ترسّخ واقعاً لايمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال، وتحديداً في ملامسة قضايا المنطقة، وصولاً إلى الحرب على الإرهاب التي كانت المساهمة الروسية ميدانياً وسياسياً ودبلوماسياً إلى جانب سورية نقطة الانعطاف، كما كانت نقطة الانطلاق في محاكاة الدور الروسي عالمياً، وتمكنت من فرض إيقاعها على الدور العالمي، ووضعت أجنداتها السياسية بشكل لا يحتمل أي شك، ولا يقبل أي نقاش.
الفارق الإضافي أن الدبلوماسية الروسية في الولاية الجديدة للرئيس بوتين تدرك مختلف التحديات، وتمارس دورها المترافق بإحاطة كاملة للاحتمالات المختلفة، وتعرف أن المسؤولية الملقاة عليها تتجاوز في بعض تفاصيلها ما واجهته سابقاً، خصوصاً أن الحرب الدبلوماسية الغربية معلنة، وتحديداً بشكلها المباشر، حيث الفوارق المسجلة لمصلحة الدبلوماسية الروسية في قضايا باتت تشكل حالة مفصلية، خصوصاً لجهة النجاحات التي حققتها.
روسيا في حقبة بوتين تخط دوراً حقيقياً فاعلاً ومؤثراً، وتؤسس من خلاله لنظام عالمي جديد، وتمكنت من خلاله الحد من استطالات النظام الأحادي ونهجه الاستفرادي، وهو مايدفع إلى الجزم بأن المهمة الملقاة على عاتق روسيا خلال هذه الحقبة تبدو مضاعفة، وهو مانعتقد أنه في صلب الرؤية الروسية وملامح سياستها الدولية، وسيكون الثابت العملي في الحقبة القادمة.
بوتين رئيساً.. تعني مزيداً من الضمانة السياسية غرباً وشرقاً، فيما روسيا تخطو بثبات في ظل مشهد تراكمي يفرض إيقاعه على توازنات وحسابات ومعادلات العلاقات الدولية، تؤشر مختلف الاحتمالات والقرارات الى أنها أمام تحول نوعي في الكثير من المقاربات، خصوصاً أن الرئيس بوتين في خطابه بعد أداء اليمين الدستورية، قد حدد بكثير من الدقة ملامح المرحلة القادمة لروسيا، والتي ستحدد بشكل كبير ملامح العلاقات الدولية وشكل النظام العالمي القادم.
a.ka667@yahoo.com