ثورة أون لاين:
لايضيع حق وراءه مطالب، بهذا القول عَبَّر 75 عاملاً عن فرحتهم بعد أن نالوا مطلبهم الذي انتظروه لأكثر من أربع سنوات ونصف، فبوجود قضاء عادل ونزيه،
وبوجود مؤسسات تتبنى قضايا العمال وتتابعها وتدافع عنها وتبذل جهوداً حثيثة لإيصال الحقوق إلى أصحابها، فإن الحق لا يضيع مهما طال الزمن عليه..
ببساطة شديدة وبدون أي مقدمات.. أصدرت محكمة الاستئناف المدنية السابعة بدمشق حكمها العادل بإنصاف عشرات العمال كانت إحدى الجهات العامة قد امتنعت عن تسديد رواتبهم، فدخل الطرفان في تخاصم استمر لأكثر من أربع سنوات ونصف، لتأتي بعدها كلمة الفصل العادلة في تثبيت حقوقهم وصرف مستحقاتهم المتأخرة من رواتب وأجور وترفيعات واشتراك في التأمينات الاجتماعية..
أول الحكاية
هي قصة عمال فندق سمير أميس بدمشق الذين لم يكن لهم ذنب سوى أن الجهة المالكة للفندق (المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي) قد استردت الفندق من المستثمر قبل انتهاء مدة العقد المبرم بين الطرفين، الأمر الذي أحدث إرباكاً للعمال نجم عن اختلاف وجهات النظر في أحقيتهم بالحصول على رواتبهم ومستحقاتهم المالية، فالمؤسسة رأت أنها غير معنية بذلك على اعتبار أن العمال هم موظفون في منشأة سياحية خاصة وليسوا عمالاً تابعين لها بوصفها جهة عامة، في حين كان لنقابة عمال السياحة بدمشق رأي آخر استندت فيه على نصوص قانونية واضحة ونافذة ولا تحتمل أي جدل أو اجتهاد بالرأي، وأكدت النقابة على ضرورة التزام المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي بدفع رواتب العمال المستحقة لهم عن الأشهر الممتدة ما بين تاريخ إنهاء عقد المستثمر الأول وتلزيم الفندق لمستثمر جديد.
وحول هذا الأمر أشاد رئيس مكتب نقابة عمال السياحة بدمشق جمال المؤذن بالقضاء العادل والنزيه الذي أنصف عمال الفندق وأوصلهم إلى حقوقهم، فمعه وبوجوده لن يضيع حق من حقوق المواطنين، وقال المؤذن إنه انطلاقاً من الدور المناط بالتنظيم النقابي في تمثيل العمال المنتسبين إليه والدفاع عنهم وبذل كل الجهود للحفاظ على حقوقهم ومكتسباتهم، وعملاً بتوجيهات القيادة النقابية وبدعم من الاتحاد العام لنقابات العمال، فقد سعينا كمكتب نقابة عمال السياحة لتحصيل حقوق عمال الفندق الذين وجدوا أنفسهم بلا أجور ولا رواتب فجأة ودون سابق إنذار، علماً أنهم أمضوا سنوات طويلة في العمل بالفندق تمتد ما بين (10 – 25) سنة، بمعنى أن أحدث عامل بالفندق مضى على وجوده أكثر من عشر سنوات، في حين هناك من يعمل منذ خمسة وعشرين عاماً دون انقطاع..
بعد إنهاء عقد المستثمر
وتتلخص القصة عندما سعت الجهة المالكة للفندق (المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي) إلى تحصيل حقوقها من المستثمر بعد تأخره بتسديدها وانقضاء المهل المنصوص عليها بالعقد وأنهت عقد الاستثمار الذي كان مبرماً معه، وتابعت إجراءات تحصيل حقوقها المالية عبر السبل القانونية وقامت باستلام الفندق من المستثمر بما له من حقوق وما عليه من التزامات بموجب الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا بتاريخ 13/5/2013.
ومنذ تاريخ 1/9/2013 امتنعت المؤسسة عن تسديد أجور عمال الفندق، وبقي هؤلاء من دون أي مورد مادي ولا أي دخل، وجرت عدة محاولات للتوصل إلى تفاهم مع مجلس إدارة المؤسسة وإيضاح المشكلة وتبيان أن قانون العمل رقم 17 لعام 2010 يضمن للعمال حقوقهم في مثل هذه الحالة، بحيث يترتب على المؤسسة بعد استردادها للفندق من المستثمر، يترتب عليها أن تستمر بدفع رواتب وأجور العمال، إلى أن يتم تلزيم الفندق لمستثمر جديد، وبعدها تصبح رواتب العمال بعهدة المستثمر الجديد.
مساع ودية
وأضاف المؤذن: أوضحنا للمعنيين في مجلس إدارة المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي كل الحيثيات وما نص عليه القانون، مع الإشارة هنا إلى أن المؤسسة لن تدفع من حسابها لكونها تستحوذ على التأمينات النهائية التي كان قد أودعها المستثمر الأول في حسابها عند توقيع عقد الاستثمار قبل سنوات، وبالتالي لن يكون هناك أي أعباء مادية تترتب على ميزانية المؤسسة.
إلا أن كل المساعي التي بذلناها في التواصل مع الجهة المالكة للفندق لم تثمر شيئاً، فلجأنا إلى القضاء المختص لتحصيل حقوق العمال من رواتب وأجور متأخرة، والاشتراكات في التأمينات الاجتماعية، خلال فترة الانقطاع الحاصلة ما بين إنهاء عقد المستثمر الأول وتلزيم الفندق لمستثمر جديد وتمتد هذه الفترة من 1/9/2013 ولغاية 12/10/2014.
قرار محكمة البداية العمالية
وبالفعل يضيف المؤذن، صدر قرار محكمة البداية المدنية العمالية بدمشق بتاريخ 17/12/2017 متضمناً إلزام ورثة المستثمر والمدير العام للمؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي بالتكافل والتضامن، بدفع الأجور المستحقة للعمال خلال الفترة المذكورة، إضافة لإلزام مؤسسة التأمينات الاجتماعية بتسجيل العمال في قيودها اعتباراً من 1/9/2013، ولغاية 12/10/2014 وضمها للخدمات السابقة واللاحقة حسب الأصول، إلى جانب إلزام ورثة المستثمر والمدير العام لمؤسسة الخط الحديدي الحجازي بتسديد كافة الاشتراكات والفروقات والغرامات والفوائد والتعويضات والمبالغ الإضافية وغيرها الناتجة عن تنفيذ قرار المحكمة بتسجيل العمال بالتأمينات عن فترة الانقطاع، إلى جانب إلزام العمال بدفع حصتهم الناتجة عن هذا التسجيل بواقع 7% من الأجر الشهري.
استئناف المدعى عليهم للقرار
إلا أن الجهات التي تم الادعاء عليها (ورثة المستثمر والمدير العام للمؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي، والمدير العام للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية) قامت برفع دعوى استئناف للقرار أمام محكمة الاستئناف المدنية السابعة بدمشق.
العدالة تقول كلمتها
ومرة أخرى قال القضاء العادل والنزيه كلمته الفصل بتاريخ 6/6/2018 عبر القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بإلزام المدير العام لمؤسسة الخط الحديدي الحجازي إضافة لوظيفته بأن يدفع للعمال البالغ عددهم 75 عاملاً وعاملة الأجور المستحقة لهم عن الفترة المشار إليها (1/9/2013 – 12 /10/2014)، وكذلك إلزامه (المدير العام) بتسديد كافة الاشتراكات والفروقات والغرامات والفوائد والتعويضات والمبالغ الإضافية الناتجة عن تنفيذ هذا القرار.
حصر المسؤولية بـ (الحديدي الحجازي)
ويشير المؤذن هنا إلى أن محكمة الاستئناف المدنية السابعة بدمشق وبعد استيضاحها لحال ورثة المستثمر قبلت استئنافهم على أساس أن مؤسسة الخط الحديدي الحجازي استلمت المنشأة (فندق سمير أميس بدمشق) بتاريخ 1/9/2013 من المستثمر السابق، ولم تكن عقود العمل منتهية ولم تقم المؤسسة باتخاذ إجراءات بإغلاق المنشأة وفقاً لقانون العمل، وبالتالي فإن عقود عمل الـ 75 عاملاً ظلت سارية وتقع كافة الالتزامات المترتبة على صاحب العمل بموجب هذه العقود على عاتق المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي وفقاً لأحكام المادة (12) من قانون العمل رقم 17 لعام 2010 والتي نصت أنه (لا يترتب على إدماج المنشأة في غيرها أو انتقالها بالإرث أو الوصية أو الهبة أو الإيجار أو البيع ولو كان بالمزاد العلني أو غير ذلك من التصرفات إنهاء عقود استخدام عمال المنشأة ويكون أصحاب العمل السابقون مسؤولين بالتضامن مع الخلف عن تنفيذ جميع الالتزامات الناشئة عن هذا العقد من تاريخ التنازل).
ويضيف المؤذن أنه جاء في قرار محكمة الاستئناف أيضاً ما يؤكد مسؤولية المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي عن الالتزام بحقوق العمال لوحدها، حيث يوضح قرار المحكمة: أن قانون العمل هو قانون خاص وقواعده جاءت لحماية حقوق العمال وبالتالي فإن ما تتمسك به الجهة المستأنفة (مؤسسة الخط الحديدي) بأنها جهة عامة وبأنه لا يوجد لديها بند بالموازنة لصرف مستحقات العمال، فإن ذلك لا يؤثر على حقوق العمال الناشئة عن وجود المنشأة، ودفوعها تتعارض مع قانون العمل لناحية أن الخلف مسؤول بالتضامن مع السلف وأن حقوق العمال محفوظة وتترتب بذمة صاحب العمل الجديد، وحيث أنه ليس من قواعد العدالة أن يتحمل العمال تقصير المؤسسة في معالجة أوضاعهم وتأمين صرف مستحقاتهم عند استلام المنشأة أو عند طرحها لمزاد علني وحيث أن الاجتهاد قد نص على أن الخلف مسؤول بالتضامن مع كافة أصحاب الأعمال السابقين عن تنفيذ جميع الالتزامات بحكم المادة 85 من قانون العمل، إلا أن ذلك مقيد سريان عقد العمل وقت انتقال المنشأة للخلف (قرار نقض 1008 أساس 4343 تاريخ 19/2/1996).
إخلاء مسؤولية ورثة المستثمر
وجاء في قرار محكمة الاستئناف المدنية السابعة أيضاً: «وحيث أن الحقوق المطالب بها بهذه الدعوى نشأت بعد استلام المنشأة من قبل مؤسسة الخط الحديدي ما يجعل الخصومة منحصرة فيها ولا يكون السلف (ورثة المستثمر) مسؤولاً معها عن هذه الالتزامات، وبالتالي فإنه لا يوجد مستند قانوني بإلزام السلف (الورثة) بالتكافل والتضامن مع الخلف (مؤسسة الخط الحديدي الحجازي) عن هذه الالتزامات باعتبار أن السلف يكون مسؤولاً من تاريخ استلام المنشأة، الأمر الذي يترتب معه قبول استئنافات ورثة المستثمر شكلاً وموضوعاً وفسخ القرار المستأنف جزئياً بهذه الناحية».
لو التزمت المؤسسة بتطبيق القانون
ويوضح المؤذن هنا أنه بذلك تبين بشكل واضح للمحكمة أن مسؤولية دفع مستحقات العمال خلال الفترة المحددة تنحصر في المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي مالكة فندق سمير أميس بدمشق، وبهذا يكون العمال قد حصلوا على كامل حقوقهم المتأخرة والتي كان يمكن أن يحصلوا عليها قبل أربع سنوات ونصف بشكل طبيعي ودون انقطاع، فيما لو استجاب القائمون على مجلس إدارة المؤسسة لمطالبهم وتفهموا حقيقة ما نص عليه قانون العمل وبهذا كانوا وفروا على العمال الكثير من المتاعب والانتظار والأعباء المادية خاصة وأن هذا جاء خلال سنوات الحرب العدوانية على سورية والتي كانت تشهد ظروفاً مادية صعبة عانى منها المواطنون جميعاً..
محاولات
ولفت المؤذن إلى جملة من الصعوبات والعقبات التي تعرضت لها نقابة عمال السياحة بدمشق والضغوطات التي واجهتها لثنيها عن مسعاها في تحصيل حقوق عمال الفندق، وقال: إن كل هذا لم يثننا عن المضي قدماً في متابعة الدعوى لدى القضاء وتقديم كل ما يلزم من وثائق وثبوتيات ودفوع وغيرها، إلى جانب أن النقابة لم تحمل العمال أي نفقات أو مصاريف أو رسوم ترتبت على الدعوى، وأن كل ذلك تكفلت به النقابة عملاً بقانون التنظيم النقابي.
المستثمر الجديد التزم بالعمال
رئيس نقابة العمال أشار إلى نقطة هامة وهي أنه وبمجرد توقيع العقد مع المستثمر الجديد (شركة نزها) قام ممثلون عن الشركة بالتواصل مع النقابة وتمت إعادة العمال إلى العمل مع التعهد بتسديد كامل مستحقاتهم وأجورهم الشهرية اعتباراً من تاريخ سريان عقد الاستثمار واستلام المنشأة، مع الإشارة هنا إلى أن المنشأة لاتزال قيد التأهيل ولم توضع بالخدمة حتى الآن.. وقال المؤذن: كنا نتمنى لو أن إدارة المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي قد اختصرت علينا كنقابة وعلى عمال الفندق كل هذه المتاعب والوقت والجهد والمتابعات المضنية والنفقات، وبادرت إلى الالتزام بتطبيق القانون وتسديد أجور العمال دون الحاجة إلى رفع دعوى أمام القضاء، وبذلك كانت (في هذا الجانب) أحسنت استعمال الوظيفة الموكلة إليها، لأنها كان يجب أن تعلم أن القضاء العادل والمنصف سيكون إلى جانب القانون وسينصف العمال ويعيد إليهم حقوقهم المتأخرة والتي لم تكن (بتاريخ المطالبة قبل أربع سنوات ونصف) تشكل نسبة 10% من المبلغ الذي أقرته المحكمة مؤخراً بموجب تقرير الخبرة المقدم والبالغ 24 مليوناً و385 ألفاً و305 ليرات والمتضمنة إلى جانب الرواتب المستحقة ضريبة الدخل على الرواتب والاشتراكات التأمينية عن العمال..
تعزيز الثقة بمؤسسات الدولة
وأشار رئيس النقابة إلى أن ما جاء في قرار المحكمة من إنصاف للعمال وتأمين لحقوقهم، فيه الكثير من المؤشرات على استمرار عمل مؤسسات الدولة بكل مجالاتها وأولها المؤسسة القضائية التي تسهر على تطبيق القانون وتوصل الحقوق لأصحابها، رغم كل ما واجهته البلاد خلال سنوات الحرب العدوانية والتضليل الذي سعت إليه أدوات العدوان الإرهابية لإظهار أن مؤسسات الدولة قد تعطلت ما يعني غياب سلطة القانون وضياع حقوق المواطنين، يأتي هذا القرار ليدحض كل ذلك ويعزز الثقة لدى المواطنين بمؤسسات الدولة ودوائرها الرسمية وعلى رأسها المؤسسة القضائية..
محمود ديبو