ثورة أون لاين:
تعتبر الضرائب والرسوم أحد أهم مصادر (السيولة) في الموازنة العامة للدولة ضمن بند الإيرادات الجارية، وتشغل (الضريبة) بال الحكومات والأفراد في جميع دول العالم على حد سواء.
ففي حين تعتبره الدولة حقاً من حقوقها لطالما يعيش المواطنون على أراضيها ويستفيدون من جميع الخدمات المقدمة إليهم لممارسة أعمالهم التجارية والخدمية والصناعية، يسعى الأفراد بشكل دائم إلى التهرب من كمية الضرائب والرسوم المفروضة عليهم. فإلى أي مدى يشعر المواطن السوري في محافظة طرطوس بالعدالة الضريبية (سواء أكان المكلف شخصاً اعتبارياً أم شخصاً طبيعياً) وهل الأسس المعتمدة بالتكليف الضريبي عادلة ومستندة إلى الشرائح المنصوص عليها.؟ وفوق هذا وذاك هل يمسك التاجر الدفاتر المحاسبية القانونية ويظهر أرباحه الحقيقية.
تجبي ضرائبها على السمعة..!
قامت الثورة بجولة على بعض المحال التجارية في مدينة طرطوس واستمعت إلى آراء بعض التجار فيما يخص الضريبة المالية التي يدفعونها حيث رأى البعض زيادة في أعبائهم الضريبية السنوية في ظل تراجع مبيعاتهم في حين أكد عدد من التجار أنه لو تم تطبيق الضريبة (حرفياً) بحسب النسب المنصوص عليها لكانت أكبر بكثير مما هي عليه الآن كما أن البعض الآخر أحجم عن الإجابة على السؤال الذي طرح عليهم وهو: هل الضريبة التي تدفعونها عادلة.!
العديد من التجار أكدوا أن مدينة طرطوس تحولت إلى (كتلة) من المحلات التجارية والأكشاك غير المنضبطة التي أضرت بدورها بجمالية المدينة وأثرت سلباً على أسواقها المعروفة (الصالحية والمشبكة والناعورة وغيرها) بحيث بات في كل منزل (دكان) ويرى البعض أن اكتظاظ بعض الأماكن الحيوية في الكراجات الجديدة وغيرها وانتشار الأكشاك أثر بشكل ملحوظ على حركة تسوق أبناء الريف القادمين بشكل يومي إلى المدينة الذين أصبحوا يفضلون الشراء من تلك المحلات والأكشاك على اعتبار أنها قريبة من أماكن مواصلاتهم وأرخص بالسعر نسبياً والتي تبيع كل ما تحتاجه الأسرة الذي بدوره أثر على حركة التسوق في أسواق طرطوس الرئيسية!
وذكر بعض أصحاب وكالات الألبسة المستوردة والوطنية أن موظفي المالية يقومون بوضع الضريبة استناداً على السمعة (شهرة المحل) بالدرجة الأولى حيث يجري كل فترة (سنة مالية) تقييم للمحال التجارية وهذا التقييم يزيد من قيمة الضريبة المفروضة على المحال التجارية وفي بعض الأحيان يبقيها على حالها ولكنه لايخفضها على الإطلاق.!
ولدى سؤالنا لبعض أصحاب المحال التجارية فيما إذا كانوا يمسكون حسابات نظامية تمكن مراقبي الدخل من الاطلاع على أرباحهم الحقيقية (المطرح الضريبي) أوضحوا أنهم لا يفعلون ذلك بحجج كثيرة ومنها عدم التزام الكثير من الورش التي يشترون منها بضاعتهم (وهي بمعظمها موجودة في دمشق وحلب) بإعطائهم بيانات مالية دقيقة تشير إلى المواصفة والتكلفة الحقيقية للمنتج وبالتالي لا توجد لديهم الوثيقة المالية الأساسية وهي (الفاتورة) التي تعرضهم في الكثير من الأحيان إلى المخالفات مع (التموين) ولكن لعل السبب الرئيسي هو عدم إيضاح الرقم الفعلي للمبيعات وتحديداً الربح الصافي الذي يشكل المطرح الضريبي وفي الحقيقة هذا الفعل الذي يطلق عليه بالتهرب الضريبي.!
اعتماد الضريبة الموحدة على الدخل
وللتعرف على الرأي الأكاديمي في هذا الموضوع التقت الثورة د.مدين الضابط الأستاذ المساعد في قسم المحاسبة اختصاص المراجعة الضريبية ومدير مكلف لمركز ضمان الجودة في جامعة طرطوس الذي أوضح أن المشكلة تنطلق من أربع قضايا أساسية:
الأولى: وتتمثل في ضعف التشريع الضريبي وتخلف النظام الضريبي النوعي المعمول به حالياً وتخلي معظم دول العالم عن هذا النوع من الأنظمة باتجاه تطبيق الصور الفنية الحديثة للضرائب كالضريبة الموحدة على الدخل..
الثانية: وتتمثل في عدم مواكبة الإدارة الضريبية للتطورات الهامة على مستوى الفنيات المستخدمة في مجال الفحص الضريبي، وتخلف نظام التقدير الذاتي، واستثمار تكنولوجيا المعلومات وأتمتة العمل وقياس مستوى الالتزام الضريبي والحد من التهرب الضريبي والتراجع الحاصل في مستوى تجريب وتأهيل الموارد البشرية المتخصصة وضعف عددها.
الثالثة: ضعف بيئة التدقيق وعدم مواءمة البيئة الضريبية إن صح التعبير لتشجيع أو تحفيز أو إجبار المكلفين على التصريح عن حقيقة التزاماتهم الضريبية، إما لجهة عدم وجود قانون لتوثيق الصفقات وفوترتها، والتهرب الجمركي الذي يشوه عمليات التسعير في الحلقات المتتابعة (استيراد- جملة- نصف جملة- مفرق)، أو لجهة انتشار اقتصاد الظل وابتعاد الكثير من الأوعية عن دائرة التكليف الضريبي، أو لبعض صور الفساد التي تؤدي إلى محاباة بعض على حساب البعض الآخر، أو لجهة عدم الانصاف في نظام الاعتراض الضريبي، كل ذلك يؤدي إلى شعور المكلف بعدم الرضا والمساواة والثقة في النظام الضريبي ككل وموضوعيته…
الرابعة: الاستقلال التام في عمل هيئة الضرائب والرسوم عن وزارة المالية، ما يشعر بعدم وجود اتجاهات واضحة وسياسات محددة ترسم ملامح خطط استراتيجية ممنهجة تسير بالإصلاح الضريبي وفق أهداف عامة…
هذه العوامل مجتمعة تنعكس عملياً على واقع التكليف الضريبي والمكلفين، إما على مستوى عدم العدالة أو تخلف أساليب وفنيات الفحص والتقدير الضريبي أو على مستوى الإفلات من التصريح عن الأرباح الصافية الحقيقية من قبل المكلفين، أو إفلات كامل الوعاء الضريبي من خلال التهرب الضريبي التام، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لجوء الإدارة الضريبية إلى التعويض عن هذا النقص في الموارد من جراء تتبع الثروات والدخول العالية وإفلاتها كما أشرنا جزئياً أو كلياً، إما من خلال اللجوء إلى رفع أسعار بعض السلع المهمة كالوقود والمحروقات وهي من الضرائب غير المباشرة، أو زيادة العبء الضريبي على مكلفي الدخل المقطوع بشكل غير مدروس أحياناً، وهذا ما يبرر معاناة هذا النوع من المكلفين، بالإضافة إلى العبء الضريبي المرتفع بطبيعة الحال على أصحاب الدخل المحدود والوظائف العامة.
وهو ما يفسر الطبيعة الجبائية التي ما زالت الإدارة الضريبية تتصف بها في بعض الأحيان، أو المقولة التي تقول أنه طالما تكلفة التهرب أقل من تكلفة الضريبة فالاتجاه السائد سيكون باتجاه الأول.
اللجوء إلى التقدير
مدير مالية طرطوس مصطفى بجود رد على جملة من الأسئلة تمحورت حول العدالة الضريبية والأسس المتبعة في تقييم ربح المكلفين وهل المالية تراعي أرباحهم أم إن الموضوع بجملته يستند إلى التقييم وسمعة المحل فأوضح في البداية أنه عملاً بأحكام قانون الضريبة على الدخل رقم /24/ لعام 2003 وتعديلاته والمرسوم رقم /10/ لعام 2015 فإن ضريبة الدخل المقطوع هي ضريبة تقديرية لمدة محددة وقد قسم المرسوم رقم /10/ لعام 2015 المكلفين إلى أربع فئات /كبار المكلفين ومتوسطين ومهن علمية وباقي المكلفين/ وحدد مدة التكليف لكل فئة من سنتين حتى خمس سنوات.
وأضاف: يقوم مراقب الدخل المختص بكل منطقة بزيارة للمكلف بمكان ممارسة العمل للاطلاع على نشاطه في ممارسة المهنة ويطلب منه وثائق وثبوتيات مزاولة المهنة ويبدأ بعدها بدراسة نشاط المكلف حيث يأخذ بعين الاعتبار موقع ممارسة المهنة ورأس المال المستثمر والنشاط التجاري ليتم تحديد موقعه بين أقرانه في المهنة وللتأكد يطلب منه وثائق وثبوتيات المبيعات والمشتريات حيث يطلب فواتير المشتريات والمبيعات والتي عادة تكون موجودة لديه في سجل يومي في محله التجاري إلا أن الأغلبية العظمى من المكلفين يتمنعون عن تقديم هذه السجلات التي من خلالها يتم الوصول إلى الحجم الفعلي للنشاط التجاري للمكلف ليتم تحديد الضريبة من خلالها لذلك وبسبب امتناع المكلف عن تقديم هذه السجلات يتم اللجوء إلى التقدير في تحديد الضريبة من خلال المشاهدات والنشاط التجاري ورأس المال والموجودات والفعاليات التي يمارسها في المحل وأقرانه في المنطقة والجوار وفق أحكام قانون ضريبة الدخل.
وبعد مناقشة المكلف بنشاطه وتوقيعه على محضر الزيارة وبعد أن يصرح برقم عمل يقبل به ويوقع عليه ينظم مراقب الدخل تقريراً بما وصل إليه من رقم عمل وضريبة مقترحة، بعدها يتقدم مراقب الدخل بتقديره إلى اللجان المختصة والمشكلة بموجب المرسوم /10/ للعام 2015 والتي تضم في عضويتها خبيراً يمثل المهنة أو الحرفة التي يمارسها المكلف حيث تقوم هذه اللجان بدراسة التقارير المقدمة من قبل مراقبي الدخل المختصين والتي قد تعود لزيارة المكلف للتأكد مما خلص إليه تقرير مراقب الدخل ليصار بعدها إلى تحديد الضريبة المناسبة وفق ما تقدم أعلاه وإصدار قرار التصنيف البدائي بموافقة وتوقيع خبير المهنة المختص.
يحق للمكلف الاعتراض خلال ثلاثين يوماً
وأكد بجود أن القرارات البدائية الصادرة يتم تبليغها إلى المكلفين بالذات أو من يمثلهم في مكان ممارسة العمل من قبل مبلغين مختصين وفق أصول التبليغ القانونية حيث إن المكلف وبمجرد تبلغه القرار (التصنيف البدائي) يحق له الاعتراض في حال وجد الضريبة غير مناسبة خلال ثلاثين يوماً تلي تاريخ تبلغ القرار أمام اللجان المختصة.
وقال: وبالتالي لا يوجد أي تحيز أو مزاجية في تحديد الضريبة خاصة وأننا قمنا في مديرية مالية طرطوس لأكثر من مهنة بالطلب من النقابات والجمعيات الحرفية وغيرها بأن تشارك مديرية المالية في تصنيف فئات المكلفين الذين يتبعون لها من خلال تصنيفهم من قبل هذه الجمعيات أو النقابات إلى فئات حسب مستوى دخل كل فئة ليصار بعدها إلى مناقشة الوضع الضريبي لكل فئة بالتحديد مع اللجان المختصة بالمالية وقد حدث هذا مع أكثر من مهنة مثل (سوق الهال – المهن العلمية – الصاغة) وغير ذلك لكي نصل إلى أكبر قدر ممكن من العدالة الضريبية وهذا يحتاج إلى تضافر جهود الجميع في مديرية المالية والمكلفين أو من ينوب عنهم من نقابات أو ممثلين.
و أكد بجود أنه خلال عام 2017 بلغ عدد المكلفين الذين تم إعادة تصنيفهم في مديرية مالية طرطوس /5536/ مكلفاً اعترض منهم /273/ مكلفاً فقط أي بنسبة أقل من 5% وبلغ عدد المستفيدين من الاعتراض /203/ مكلفين أي بنسبة 75% من المكلفين المعترضين، وهذا يؤكد أن مديرية المالية تسعى إلى تصحيح الضريبة في حال وقع ظلم على أحد المكلفين موضحاً أن انخفاض نسبة المعترضين يؤكد بأن المكلف مقتنع بضريبته وأن من كان على حق باعتراضه استفاد من اعتراضه.
في الختام
لقد آن الأوان فعلاً وبعد تطبيق هذا النوع من الأنظمة الضريبية والممارسات طيلة سبعة عقود من الزمن وثبات عدم مواكبتها للتطورات العلمية والمهنية على مستوى العالم، بل على مستوى الدول المجاور على الأقل، أن نضع الإصلاح الضريبي كأولوية وخاصة الأهمية القصوى التي توليها الحكومة اليوم لجهة إعادة بناء ما خلفه الإرهاب من تدمير، والحاجة إلى الموارد اللازمة لذلك.
علي يحيى صقور