ثورة أون لاين -أسعد عبود:
الموت يلغي كل شيء.. يلغي الحقوق والواجبات، وبالتالي يلغي المواقف.. لكن يبقى ما في الروح والذكريات سلباً أو إيجاباً. إرث المتوفى يتحمل كل أوزاره ويحصد حسناته.
يعني لم يعد لك أن تلاحق المتوفى لاستيفاء حق قانوني أو أخلاقي.. لكن لك الحق أن تلاحق ميراثه.
عبارة لا شماتة في الموت تشبه دعوة لنسيان ما كان وعدم ملاحقة الميت.. هي دعوة أخلاقية وليست قانونية.. ربما تشكلت من التفكير المجتمعي للبشر على قاعدتين:
الأولى – أن تستمر المواقف الحياتية من شخص إلى ما بعد مماته.. ما يكرس العداوات ويحفظ الكراهية.
الثانية – أن الميت لا يحس ولا يسمع.. أكثر من ذلك أنه لا يستطيع الدفاع عن نفسه.
بكل الأحوال فالقاعدة هي دعوة أخلاقية فردية.. وقد لا يستطيع الأحياء مسامحة الميت لأنه مات وبالتالي قد يحصل أن يواجه موته بشماتة.
السيناتور الأميركي جون ماكين.. مات.. هو الخبر الأبرز على شاشات الفضائيات.. رجل في الثمانينات، مصاب بسرطان دماغي فارق الحياة.. لماذا يصبح موته خبراً رئيسياً..؟!
لو تخيلنا أن سيناتوراً أميركياً آخر توفى بهذا السن.. بهذا المرض.. هل كانت وفاته تستوجب كل هذا الاهتمام..؟! الجواب سهل وهو بالتأكيد.. لا.. وهذا طبيعي، فأهمية الموت كظاهرة فردية تتعلق بأهمية المتوفى.
هذه الأهمية، ترتسم تلقائياً وعفوياً على المواقف الفردية والجمعية لأسباب خيرة أو لأسباب شريرة.. وهو ما يمكن أن نسميه الشماتة في الموت. طبعاً دون أن ننسى حب الاكتشاف عند الأحياء والدراية بحقيقة الموت وأسبابه.. إلى اليوم هناك من ينشغل بموت هتلر مثلاً.
بالنسبة للسيناتور ماكين.. يقرأ في حياة الرجل أن ظهوره كان دائماً في مواقع التطرف والدعوة للحرب والكراهية والمغامرة بشؤون الشعوب الأخرى والعنصرية.. هو ممن تحمسوا طويلاً وكثيراً للحرب على العراق وطالب بالتمادي فيها.. وهو من ألد خصوم سورية وحلفائها.. ومن دعاة الغزو لأراضيها.. ويقال عنه أنه زار الشمال السوري المحتل من قبل الإرهابيين الإسلاميين.. وأكد على دعمهم.. طبعاً يخطئ كل إسلامي وغير إسلامي يعتقد أن ماكين أحب هؤلاء أو أولئك.. هو فقط عبر عن كراهيته لشعوب العالم الثالث وحقده على سورية وحلفائها وغيرها.. هو عنصري بالمعنى الكامل للمفهوم.. همه أن يزيد سعير القتال والحرب بين شعوب الشرق، بعضهم ببعض..
من هنا تماماً تنبع الأهمية الإضافية لوفاته.. وأقدر أن النسبة الغالبة من متلقي الخبر هم من الشامتين..
لا شماتة بالموت.. لكن..؟!