ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
لم يكن حديث الوزير الروسي لافروف عن الوثيقة السرية المتداولة لدى المنظمات الدولية الشاهد الوحيد ولا القرينة اليتيمة التي تؤشر إلى تورط بعض المسؤولين الأمميين وجزء من المنظمات المرتبطة بهم، عن سبق إصرار وتعمّد مع الغرب وأجنداته في دعم الإرهاب، حيث لم يكن عفو الخاطر، ولا هو نتاج مشهد أو موقف سياسي عابر،
بقدر ما يعكس واقعاً يدركه الجميع من التعامل المجحف والظالم الذي تتبناه المنظمة الدولية في سلوكها حيال الأحداث في سورية، حيث لم تكتفِ بالانحياز إلى الغرب في فبركاته، بل مارست دوراً مشبوهاً في الوقوف جنباً إلى جنب مع تنظيمات إرهابية مصنفة -وفق بياناتها- على اللائحة السوداء، وتمارس دور الرعاية والحماية لتلك التنظيمات من دون حرج.
المعضلة ليست في امتناع المنظمات المنضوية تحت مظلة الأمم المتحدة عن المشاركة أو المساهمة في إعادة الإعمار، التي لا يعوّل عليها خصوصاً أن التجارب المتكررة معها لا تشجع حتى على التفكير بها، بقدر ما تتعلق بالموقف المشين للمنظمة الدولية، حيث فتح تحقيق أو مساءلة أو دعوة إلى التدقيق في تلك المعلومات وحتى نفيها، لن يغيّر في الواقع شيئاً، بدليل أن كل ما يمارسه الغرب يتم علناً وبمعرفة المنظمة الدولية، بما في ذلك الدعم المالي للتنظيمات الإرهابية التي أعلنت كل من بريطانيا وأميركا مؤخراً عن وقف مساعداتها المالية التي كانت تذهب في نهاية المطاف إلى جبهة النصرة ومترادفاتها الإرهابية، وبالوثائق الغربية ذاتها!!
والمفارقة أن الغرب الذي أعاد النظر.. أو يعيد مراجعة مواقفه في المراهنة على التنظيمات الإرهابية، لم يُعلِم المنظمة الدولية بقراره ولا بتخليه عن ذلك الدعم، في حين أبقت بعض المنظمات الدولية الموقف على حاله، ولم تتحرك لتغيير أو تعديل المقاربة السياسية التي أملتها عملياً سلوكيات الغرب وقراره بالتعويل على الإرهاب لتنفيذ أجنداته، فيما المنظمة الدولية لم تكتفِ بغض النظر عن هذا السلوك، بل تورطت في ذلك التبني الأخرق لكل المواقف الغربية الجائرة، ورسمت حالة من الشك وصلت حد اليقين بتورط المنظمة الدولية والذي ذهب إليه تصريح الوزير لافروف، كما كانت موثقة في تصرفات وسلوكيات العديد من المسؤولين الأمميين والتي نضحت من الإناء وربما فاضت من حوافه وصناديقه السوداء.
قد تكون حالة الاستلاب التي مارسها الغرب والسطوة على عمل المنظمات الدولية مفهومة من قبل الكثيرين، لكن ما يصعب تفهمه ولا يمكن تبريره هذا التورط في التعامل مع الإرهاب ومنظماته، وتعميم الحالة لتكون أساساً في سلوكيات المنظمة الدولية وسياساتها والقائمين عليها، بحكم ما أنتجته من علاقات مشبوهة ساهمت بشكل مباشر في تفشي الإرهاب الذي بات عبئا يثقل على المنظمة الدولية ويراكم من التحديات التي تواجهها، ما أدى لفقدان مصداقيتها من جهة، وعدم قدرتها على التحرك خارج الهيمنة الغربية من جهة ثانية، مضافاً إليها عدم توافر الإرادة لدى الكثير من القائمين على شؤونها لتغيير الصورة أو لتبديل القناعة أو لتحريك المياه الراكدة والآسنة التي تحيط بمشهد أي مقاربة أممية.
لقد أتيحت للمنظمة الدولية أكثر من فرصة للخروج من شرنقة هيمنة الغرب وتعويله على الإرهاب لتنفيذ أجنداته، وللتمرد على فظاظة ساسته في ممارسة الاستلاب المقيت، خصوصاً في السنوات الأخيرة التي شهدت ملامح انكسار واضحة في الأحادية القطبية وبزوغ ملامح نزوع عالمي نحو التعددية، لكن الدور المشبوه لبعض تلك المؤسسات والأشخاص الذين تم زرعهم في بعض مفاصلها فوّت الفرصة مرة أخرى، واستكانت المنظمة وموظفوها وكثير من تفرعاتها الأساسية والثانوية على حد سواء لحالة الاستلاب التي مارسها الغرب في العقود الماضية، وفي بعض تجلياتها كانوا جزءاً منها، وأحد الأدوات المستخدمة لنسف أي تفكير في تغيير المقاربة الأممية، وربما الحيلولة دون أن تستعيد المنظمة الدولية دورها الصحيح، الذي يبدو أنه من المبكر جداً التفكير في تقويمه تصريحاً كان أم تلميحاً..!!
a.ka667@yahoo.com