المشاريع الصغيرة.. ملفات تائهة تبحث عن استراتيجية وطنية موحدة .. رغـــم الانطلاقــــات الجديــــــدة.. مشكلات الفقر والبطالة تراوح مكانها
لم تترك سنوات الحرب على سورية الكثير من الفرص والموارد المتاحة أمام آلاف العائلات والأشخاص ليعيشوا حياة كريمة وسط ظروف معيشية صعبة وارتفاع كبير في الأسعار ولهذا يرى غالبية الاقتصاديين السوريين أن دعم المشاريع الصغيرة يشكل مفتاحا للنمو الاقتصادي
ودعما للأسر الفقيرة التي ليس لها مصدر للرزق أو معيل، فهناك حاجة ماسة لهذه المشاريع لإنعاش الأفراد الذين يبدؤون حياتهم من الصفر، وحاجة ماسة لتذليل العثرات والتحديات التي تواجه الراغبين في القيام بهذه المشاريع.
في مواجهة التحديات
هناك الكثير من التحديات التي تواجه تنفيذ المشاريع الصغيرة والوسطى والمتناهية الصغر، الأمر الذي يتطلب تشخيص الداء وتقديم الدواء بأسرع مما يعتقد بعض المسؤولون الذين لا يزالون في مرحلة التصريحات.
الحاجة إلى التنظيم والتأهيل
يرى إيهاب إسمندر مدير هيئة تنمية المشروعات الصغيرة في وزارة الاقتصاد أن معظم هذه المشاريع في سورية تعمل دون تنظيم، الأمر الذي يستدعي العمل على خلق بيئة تشريعية وتنظيمية أكثر ملاءمة لعمل هذه المشاريع ومعالجة المشكلات التمويلية ومشكلات عدم توافر الأيدي العاملة المؤهلة وإقامة دورات لتحسين المهارات لدى الراغبين بالعمل والتأكيد على ضرورة وجود جهة واحدة ناظمة لهذه المشاريع لتخفيف التكاليف على جميع المعنيين. مشيرا إلى أن الهيئة تسعى إلى تقديم العون للأسرة التي تحتاج إلى هذه المشاريع من الجوانب الإدارية والتشريعية. وأن أهم الأهداف والخطط المرتبطة بعمل الهيئة هي السعي لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة وزيادة النمو الاقتصادي وتقليل البطالة لكون هذه المشروعات تخلق فرص عمل خلال مدة زمنية قصيرة ويمكن نشرها جغرافيا بما يسهم بالتنمية المكانية ويفعل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مختلف المناطق السورية، ويخفف من معدلات البطالة والفقر.
مسح تاريخي وخارطة رقمية
وفي مقارنة بين وضع هذه المشاريع قبل الحرب على سورية وبعدها أكد إسمندر أن نسبة المشاريع الصغيرة والمتوسطة وصلت قبل الحرب إلى 98% وكان لها دور مهم في تقديم الحلول الاقتصادية لكون أهم مشكلة في سورية هو نقص التمويل للمشاريع الكبيرة ولكونها تهتم أكثر بعنصر العمل وتقدم حل الندرة بالنسبة لرأس المال مقابل الوفرة بالنسبة لعنصر العمل. موضحا أن الهيئة حاليا تعمل على مجموعة من المشاريع من خلال إقامة مسح شامل وتعداد لكل المنشآت الإنتاجية في سورية سواء أكانت مشروعات صغيرة أم متوسطة أم متناهية الصغر، وسواء أكانت كيميائية أم هندسية أم غذائية أم حرفية سيكون هذا المسح تاريخيا لأنه أول تعداد في سورية منذ 15 عاما وبموجبه سيكون لدينا خارطة رقمية تحدد من خلالها أماكن المشروعات في سورية مع النشاط الأساسي والنشاطات الثانوية يرافقها تحديد لأهم الصعوبات التي تواجهها المشاريع في كل منطقة وإطلاق الحلول اللازمة بأعلى كفاءة. إضافة إلى عمل الهيئة في مشروع ريادة الأعمال وتمكين المرأة وإعداد المدربين.
لا يوجد دعم نقدي
وأضاف إسمندر: لايوجد دعم مالي مباشر للمشاريع من قبل هيئة تنمية المشروعات الصغيرة بل هناك تقديم للاستشارات الفنية والخدمية وتسهيلات إدارية، ومساع لتنظيم معارض ولقاءات بين أصحاب المشاريع ومؤسسات التسويق. موضحا أن المشكلات التمويلية تتعلق بعمل المصارف التي تعتبر أن المشروعات الصغيرة غير جديرة بالائتمان لأنها لاتمتلك الضمانات المادية، وهذه إحدى المشكلات المهمة التي تعمل الهيئة على معالجتها في المستقبل من خلال الدور المنتظر للهيئة بعد تعديل الجانب التشريعي ولحظ موضوع التمويل، وتحديد جهة واحدة ناظمة لهذه المشاريع الأمر الذي يخفف التكاليف على جميع المعنيين.
أفكار استراتيجية
ومن خلال متابعتنا لهذا الموضوع نجد كيف يدعو الكثير من المراقبين الاقتصاديين إلى الإسراع بوضع استراتيجية وطنية لدعم هذه المشاريع الصغيرة، وإنشاء اتحادات للمؤسسات الصغيرة على المستويين القطاعي والمناطقي لتقوية تمثيل هذه المؤسسات لدى الجهات الرسمية، واعتماد خارطة استثمارية للمشروعات الصغيرة والأسرية بجميع أشكالها، وإلى ضرورة وجود توزيع جغرافي صحيح للمشاريع الصغيرة يعطي عدالة في إيجاد المشاريع المهمة والمناسبة لكل منطقة، وتشجيع تأسيس مؤسسات الإقراض الصغير لتمويل المشروعات الأسرية. وتعزيز دور الإدارة المحلية بحيث تأخذ مجالس المدن والبلدات على عاتقها مهامها التنموية لتكون مراكز لدعم وتشجيع هذه المشروعات، وأن يكون التمويل بضمان الفكرة أو دراسة جدوى المشروع من الناحية الاقتصادية بدلا من استخدام الضمانات العقارية، لأن ذلك يساعد الأسر الفقيرة على تنفيذ مشاريعها.
وبالوقت نفسه يرى هؤلاء أن الأولوية في كل ذلك هو إعداد برنامج وطني غايته وضع خطط القروض الصغيرة والأسرية في التجمعات المحلية في المناطق الريفية والمدنية، وتسهيل إجراءات إنشاء شركات تمويل رأس المال المبادر أو المخاطر، وتأمين الضمانات المصرفية وتشجيع أصحاب الدخل المحدود على الادخار.
تقليد لدى الأسرة السورية
الدكتور علي كنعان أستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق أكد أهمية معالجة مشكلات التمويل في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة والتركيز على تقديم قروض صغيرة بمبالغ قد تصل إلى مليونين أو ثلاثة ملايين لدعم الأسر المنتجة والمشاريع المتناهية الصغر والتي تشكل قاعدة نحو النمو الاجتماعي والاقتصادي في جميع بلدان العالم وليس في سورية فقط. مبينا أن هذا الأسلوب التنموي يشكل طرازا وتقليدا لدى الأسرة السورية التي تعودت أن تكون منتجة لتعيل نفسها وتنقذ أفراد أسرتها من البطالة وتقدم للمجتمع سلعا منتجة جاهزة للاستهلاك كثيرا ما يعتمد عليها التجار لتصديرها إلى الخارج على أنها تقليد شعبي وسلع شعبية وهي مرغوبة أكثر من السلع الصناعية، حيث نجد في هذا الاتجاه أن التركيز يكون على الألبسة والأحذية ذات العمل اليدوي والتقليد الشعبي لكونها مميزة وتصنع بشكل فني.
وأوضح كنعان أن كل الصناعات الموجودة حاليا في سورية هي صغيرة ومتوسطة ولابد من الاهتمام بها من حيث تأمين التمويل اللازم لها وتذليل العقبات القانونية وكافة المشاكل الإدارية والصناعية التي تعترضها لكي تعمل هذه المنشآت من جديد، لأنها ستوفر علينا الكثير سواء أكان بتشغيل اليد العاملة أم تصنيع المواد الأولية بدلا من استيرادها من الخارج.
مطالب بقروض ميسرة
ومن خلال الاجتماعات والمؤتمرات التي أجريت مؤخرا حول هذا الموضوع، نجد أن أغلبية المشاركين أكدوا على المجال التسويقي من خلال تنظيم معرض دائم لترويج منتجات وخدمات المشروعات الأسرية، إعادة تنظيم عمل الجمعيات الخيرية بحيث لا يقتصر دورها على تقديم المساعدات المادية والعينية وإنما تفعيل الدور الاستثماري وكفالة الأسر المنتجة لدى المصارف وتقديم كافة أنواع الدعم المادي والمعنوي لأسر الشهداء لإقامة مشاريع تنموية صغيرة وذلك من خلال القروض الميسرة ودون فائدة، وضرورة قيام الجامعات والمراكز المهنية المتخصصة بتقديم الدعم اللازم للمشاريع المتناهية الصغر عن طريق رفدها بالكوادر المؤهلة.
تساؤلات مشروعة
بعض المطالبين بالقروض للبدء بمشاريعهم الصغيرة مازالوا في حالة انتظار لنتائج الدراسات والتصريحات التي يتحدث عنها أصحاب البنوك وبخاصة البنك المركزي الذي يقول: سوف ندرس وسوف نعمل ؟؟ حيث لاحظ البنك المركزي أن التأمين على المواد الأساسية للمشروع أغلى من سعرها. فلماذا لا يأمر المصارف بأن تمول هذا المنتج الصغير الذي يقوم بالإنتاج الزراعي أو الغذائي دون تأمين، ولماذا لا يحدث مؤسسة أو هيئة لضمان القروض الصغيرة؟ ومساعدة المقترض في الحصول على مبالغ بسيطة تصل إلى ثلاثة ملايين في أقصى حالاتها دون أن يأتي بضمانات قد لا يملكها صاحب المشروع، بدلا من أن تبقى أكثر الأموال مكدسة بالبنوك ولا يتم إقراضها لمن يريد تشغيلها.
ميساء الجردي
التاريخ: الخميس 11-10-2018
رقم العدد : 16808