حدثتني الارادة أنها أقوى الخيارات لهزيمة الخوف والقلق والمرض وكل ما يعتري النفس من رهاب..أخبرتني أنها خير دواء معنوي للفتك بكل ما اعترى الجسد من أوجاع وأوهام من الصعب التغلب عليها
علمتني الإرادة ألا أخجل من نظرات المجتمع حين يعلم أني مصابة بمرض عضال،فالحياة والموت بيد من أودع الروح في هذا الجسد او ذاك،
ومن يتحمل اختبار الوجع بالصبر والأناة والوعي لاشك بالنتيجة أن يكون الفوز بالطاقة الايجابية هو الأجمل.
“كوني أقوى من السرطان” شعار حملة الشهر الوردي لم يأت من فراغ بل جاء من تجربة الإرادة التي صقلت الروح بملح الصبر ،فلأول مرة نشهد هذا الحضور المقاوم والمرن من النساء والسيدات الناجيات من مرض السرطان اللواتي يتحدثن بهذه الصراحة والقوة وبصوت عال دون خوف من عقد التفكير لدى البعض أو ظلامية المستقبل غير المدرك.
هي صرخة وجع أكثر من حالة ألم تدوي في معجم الثقافة الصحية التي لا نعيرها اهتماما بغالبيتنا إلا في حالات فرط العافية على الآخر كما يقال.
ام فراس سيدة مكافحة أعرفها عن قرب انها تجيد كل فنون التدبير لما يحتاجه المنزل والعائلة ،ليست موظفة بل عاملة من نوع آخر في زراعة أرضها واستثمار زيتونها وعنبها وتينها وقمحها وحطبها للتدفئة ،لا تجيد القراءة بالشكل المطلوب لكنها تجيد فن الإحساس بأي خطر يداهم جسمها بظهور أي شيء غير مألوف.
ام فراس لفتها شيء غامض في محيط صدرها راقبته بصمت لعدة شهور وحين بدأ ت أعراض الألم تتسرب شيئا فشيئا ،قررت أن تذهب إلى الطبيب،وبعد الكشف الأولي نصحها الطبيب أن تزور إحدى مراكز الرعاية الأولية التي تعنى بأمراض سرطان الثدي دون أن يخبرها بأي شيء سلبي عن حالتها .
لم تتأخر ام فراس المرأة الريفية الجميلة ابنة الطبيعة المقاومة للكثير من التحديات والأمراض ،بأن تثابر على إجراء الفحص الطبي الدوري وقد تجاوزت الخمسين من العمر ..ساءت حالتها النفسية في البداية لان إظهار اسم المرض غير مألوف في المحيط سواء في الأسرة أو في المجتمع ولا أحد يشير إليه أو يصاب به إلا بالهمس..وكأن الجسد الذي ابتلي به هو من اختاره؟!.
قاومت تلك السيدة نظرات الناس بعد أن أخبرت زوجها وأولادها، وتحدت الحياة بروح العمل والتفاؤل بعد أن تم استئصال أحد ثدييها ..مارست عملها المعتاد في الأرض وجني الرزق دون أن تدع نظرات الشفقة الظاهرة والخفية أن تنال من عزيمتها وأولها داخل المنزل.
وجهت كلامها لأسرتها بالقول انا بخير طالما انتم جميعا بخير ..من الطبيعي أن نمرض بأي لون من الوان المرض..وما السرطان إلا واحد من هذا البلاء الجسدي الذي اعتبره انا رحمة وعافية لي واختبار من خالقي لصبري لا أريد أن يتلفظ أحد منكم بأي كلمة حسرة ،لأن القوة نستمدها جميعا من الله وحسن الصبر ،لنعمل جميعا كل حسب مسؤولياته وضمن نطاق وضعنا المادي تجتاز الصعاب.
عاشت ام فراس عشر سنوات وهي تهزم الألم بإرادتها الصلبة ..غادرت الحياة بعد أن أسعدها الزمان وفرحت بزواج ابنها وابنتها.
وفي السياق ذاته انقطعت اخبار إحدى الزميلات العزيزات لفترة من عدم التواصل وحين السؤال عنها وتفقد أحوالها كان الجواب صادما إلى حد كبير :”كنت مريضة..خضعت لعمل جراحي استئصال ثدي..وأنا الآن أخوض معركة الجرعات”وحين لمست شيئاً من حزني وانخفاض نبرة صوتي قالت لي أم احمد:لا تحزني صديقتي انا من واسيت أهل بيتي وأسرتي..إنه المرض الثقيل ولا مهرب منه ،ولطالما الشفاء بيد الخالق لا ضير من اي تبعات ..ها انا امارس عملي في مهنة الصحافة وأزور مشفى البيروني في الموعد المحدد وبعد حصار المنطقة لفترة مؤقتة من قبل العصابات الارهابية المجرمة كنت اذهب الى محافظة اللاذقية لاستكمال العلاج.
فأنا اليوم بألف خير تقول ام احمد: أشعر أنني قوية جدا قبل المرض وبعد المرض ..وأن لاشيء يكسر النفس سوى الاستسلام لقسوة الألم..لذلك كله كنت احاول قدر الامكان ان امارس عملي في المنزل وخارجه في البحث عن نشاطات تفيد عمل صاحبة الجلالة.
هي الحياة بحلوها ومرها نعيشها بظروفها المتداخلة وتفاوت مستوياتها الاجتماعية والثقافية والصحية ولعلّ الجانب الصحي أو الثقافة الصحية يجب أن تكون من أهم الاولويات للأفراد والجماعات لأنه من عافية الوطن .
غصون سليمان
التاريخ: الخميس 11-10-2018
رقم العدد : 16808