الشقاءُ، الويلات والكوارث، وبقية الأخوات من النتائج المُفجعة التي تُحدثها الحروب والسياسات الأميركية – الغربية في أربع جهات الأرض، لماذا تقع؟ وإلى متى ستستمر؟ وهل هناك ثمة أمل بأن تتوقف؟ أو أن يُوضع حد لها بالردع؟ أو أن يكون لها من الحلول ما يَتحصل بالمواجهة المباشرة التي قد تكون أثمانها في أسوأ الحالات أقل بكثير من الاستنزاف الحاصل؟.
هي أسئلة كُبرى، من غير السهل ادّعاء امتلاك إجابات عنها، لأنها صعبة مُعقدة، ولأنها بالمحصلة ناتج إرث ثقيل لنظام دولي تَأسس على مفاهيم القوة وما يُشبه شرعنة استعباد القوي للضعيف، وبالتالي فإن هذه التساؤلات المُرّة المُؤلمة لا تعكس في الحقيقة سوى الواقع الذي يُشرعن على نحو لا أخلاقي تطبيق شريعة الغابة على مُجتمعات إنسانية تدّعي الضد مما يسود مُجتمع الغابة.
صعوبة وتعقيد الأسئلة نبيلة المَقاصد لا يجب أن يمنع طرحها، بل يُعتقد أن جرأة الطرح بحثاً عن إجابة مُتمردة مشفوعة بأفعال ترفض الظلم والاستعباد هي من وجوب الواجب الذي به ربما يتم قطع خطوة مُهمة في الطريق نحو التصحيح والتصويب الذي تُطالب به الأغلبية الغالبة خلافاً لإرادة القلة التي تضطهد وتُهيمن وتُبدي وحشية غير مَسبوقة لإخضاع الآخر أين منها قوانين الغابة؟!.
ما من شك لدى أحد بأن أسباب العبث الأميركي الغربي بحياة الآخرين، تفجيراً للحروب والنزاعات، لا تتعلق إلا بالمقاسات الغربية الأميركية التي يُراد للعالم أن يَقبل بها رغم علمه أنها لا تُناسبه ولا تنسجم معه شكلاً ومضموناً، مُقاومته لها من جانب، ومُحاولة فرضها عليه بالقوة من جانب آخر، يَتسبب بوقوعها، لكن لم ينته الأمر بعد، إذ بين حَدي المقاومة وعدم القبول، بمُقابل مُحاولة الفرض والإخضاع بالقوة، تبرز شياطين التفاصيل التي يَخلقها الأميركي باختراقات تُحدث انقسامات في ذات المُجتمعات المُستهدفة.
هنا تَكمن المشكلة الأكثر تعقيداً، ذلك أن العدو مهما امتلك من أسباب القوة والصلف والعنجهية، يبقى على حالة فيها من الضعف ما يَجعله يتهيب خوض معركة مع طرف آخر يبدو كتلة واحدة صلبة لا تقبل الاختراق. ومن أجل ضمان سلامته يَنأى بنفسه ويَدفع بالوكيل الذي هَيأه لأداء المهمة التي قد تفشل، لكنه لن يخسر الكثير فضلاً عن أن ذلك في حالتي النجاح والفشل يكفل له مَوضع قدم يخطو بها للتدخل على مبدأ القضم!.
بالضبط هذا ما فعله ويفعله الغرب وأميركا. أميركا والغرب يُحاربان العالم اليوم بالوكلاء وبالأدوات الرخيصة، وهناك حالات تُسجل، هي بالقياس قليلة لجهة التدخل بالأصالة – التدخل بحدود تجنباً للمواجهة المباشرة التي ربما صارت أمراً حتمياً مع استحالة خلق بدائل جديدة – فقط عندما يفشل الوكيل وتُلامس احتمالات الفشل التهديد المباشر.
ما الذي نريد قوله؟ هل التحذير من أن العالم يقف على نتوءات خطيرة تُهدد بالانزلاق لحرب كبرى أو مواجهة شاملة ستقع لألف سبب وسبب ليس آخرها استعصاء التوصل لتسويات أو حلول جذرية؟ نعم هذا ما ينبغي التحذير منه، لأن المناخات الدولية باتت مُلبدة وأكثر تلوثاً بالأفكار السوداء المُظلمة، ولأن بين جُبن الأصلاء عن خوض المواجهة، وبين الحماقة التي تميزهم شعرة دقيقة قد تنقطع مع حركة بسيطة غير مدروسة .. لاحظوا أنّ كل الأجواء تبدو مُهيأة لبدء المعركة على غير محور وجبهة مع الأصلاء المُشغلين بسبب الاستعصاءات الحاصلة، وبسبب ذوبان الوكلاء وإخفاقاتهم.
معاً على الطريق
علي نصر الله
التاريخ: الخميس 11-10-2018
رقم العدد : 16808