دقت ساعة الحسم السياسي في إدلب أو تكاد، ولن تكون بعيدة عنها نظيرتها الميدانية، لتحسم بدورها الجدل الدائر وسط متاهة من الاحتمالات التي يحاول من خلالها النظام التركي إعادة صياغة المشهد، بحيث يبعد – ما استطاع إلى ذلك سبيلا – شبح الإقرار العملي بأن اللعبة شارفت على نهايتها، وهناك من يجزم بأنها انتهت منذ اللحظة التي وقعت فيها لأول مرة اتفاقاً مكتوباً وغير مسبوق مع روسيا على تفاهمات سوتشي وتسليم الأسلحة الثقيلة من التنظيمات الإرهابية، التي طالما كانت الورقة التركية القابلة للاستخدام المزدوج والمتكرر في الموقع ذاته وبالطريقة نفسها.
ورغم الحيثيات التي لا تزال تثير الكثير من التأويلات المتضاربة بالتوازي مع التخمينات والتفسيرات الأكثر تناقضاً، فإن جولة إضافية من التكهنات بدأت رحلة تسويقها على وقع ما يثار من متاعب بدت حمّالة أوجه، ولا يتردد النظام التركي في إعادة النفخ بقربتها المثقوبة على أمل أن المتغيرات يمكن توظيفها لترحيل التعهدات والالتزامات، خصوصاً تلك التي تطرق باب المقاربات الإقليمية على وقع المشكلات الناشئة والخلافات البينية بين أطراف منظومة العدوان، والحديث عن صفقات أميركية تركية لتسوية بعض المشاهد الإقليمية بعيداً عن أعين الحسابات والمعادلات التي تمليها العلاقة المتوترة، تمهيداً لوضعها جانباً.
الصيغ المتداولة قبيل ساعات قليلة من لحظة الحسم وشقيقاتها من المصطلحات أو مشتقاتها ومستنسخاتها التي تمثلها وربما كانت صورة طبق الأصل عنها، لا يمكن الركون لتلك الصيغ لتحديد الاتجاهات التي رست عليها الخيارات العملية، فالسياسة حين تعلن عجزها لا بد من سد الفراغ بتعبئة ميدانية تكون أقدر على التعاطي مع كل الفرضيات، وهذا ما تذهب إليه معظم التحليلات التي تقيّم ما تم إنجازه حتى اللحظة، فعملية سحب الأسلحة الثقيلة ليس هناك من دليل لها على الأرض، وكل ما يقال مجرد كلام ليس له ما يماثله أو يجسده، بدليل أن التنظيمات الإرهابية التي أعلنت عن تسليم تلك الأسلحة لا تزال تصول وتجول وتمارس دورها في الترهيب المنظم أمام أعين حكومة أردوغان وبمشاركة فاعلة ووازنة من أدواتها ومرتزقتها.
الأدهى أن التركي الذي يذهب باتجاه تمييع المواقيت المحددة والتواريخ المنصوص عليها، لا يتردد في العزف على وتر المهل، تارة من خلال طلب تمديد الأمر لأسبوعين، وتارة أخرى عبر إشاعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وسط تعتيم إعلامي غربي يشمل معها أطراف منظومة العدوان وأذرعها الإقليمية التي يغيب عنها حديث التواريخ والمواقيت، وتغيب معها إدلب عن الأجندات الغربية، رغم ما يجري في الكواليس من تحضيرات لإعادة إطلاق مسرحية الكيماوي مع تغيير في الشخوص والمنفذين، وربما الأدوات حين يحين الحين..!!
يفترض أن تكون الليلة آخر الساعات الفاصلة بين التسريبات المتضاربة التي تقوم على الادعاءات، وبين الحقيقة التي ترسم منحنيات الاختبار الذي حانت ساعته، وربما تحمل الامتحان الأصعب الذي سينسحب على كل ما مضى من موبقات النظام التركي ، وما قد يلحق من تفاصيل قادمة، في وقت كانت الدبلوماسية الروسية تجزم بالتوقيت المحدد الذي ينتظر الفصل الأخير لتبيان الحد الفاصل بين الخيط الأبيض والأسود، وهو حد يستلزم ويستدعي استنفاراً يحاكي الخيارات المتاحة، بما فيها الميدانية التي لا تزال الأصبع على زنادها، بانتظار ما تؤول إليه حسابات السياسة وأروقتها.. المعلنة منها والخفية..!!.
بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
التاريخ: الأحد 14-10-2018
الرقم: 16810