ليس بمشهد تمثيلي يعكس واقعاً تراجيدياً مشحوناً ، لجو وظيفي ملغوم بأحقاد و مشاحنات ، على أمور قد تبدو للمشاهد الحيادي تافهة إلى حد ما ، إنه موقف حي حيث كنت من المتفرجين المستغربين ، لنزاع علني شب في أحد المصارف العامة ، بين موظفتين على أحقية الجلوس على كرسي ،
كل منهما ادعت أنها الأحق به ، بينما كان الجدال يعكس تنمراً صارخاً لإحداهما ، في حين الأخرى فضلت رفع الراية البيضاء و الانسحاب الخجول حرصاً على ماء الوجه ، بعد أن علا الصراخ إلى حد هستيري في ظل غياب طارئ للمدير ، و أصبح الجدال عقيماً أمام شراسة زميلتها ، التي أدهشت عملاء المصرف بتنمرها .
حب الذات و العدوانية و سوء المعاملة ، و بث الشائعات و العنف اللفظي و السخرية و التهكم و الإرهاب النفسي ، و غيرها الكثير من الأساليب قد يتبعها بعض الزملاء في بيئة العمل ، في سبيل خطف حقوق الآخرين و إلحاق الأذى بهم ، و عرقلة تقدمهم و تطورهم الوظيفي ، في سبيل الاستحواذ عليها و التسلق عبرهم إلى مراتب أفضل ، أو التقليل من شأنهم لغاية في نفوسهم ، في جو مشحون نفسياً و بيئة تنافسية ليست منصفة .
إن التنمر آفة مجتمعية استشرت في الآونة الأخيرة ، انطلقت من الدائرة الصغرى و هي الأسرة ، ليكون البعض ضحية تهكم وسخرية من بعض أفراد العائلة ، أو تسلط و سيطرة و استحواذ على حقوق ، ثم انتقلت إلى البيئة المدرسية لنشهد يومياً على حالات إيذاء و عنف جسدي و لفظي ، و مروراً بالشارع و العلاقات الاجتماعية على تنوعها ، إلى بيئة العمل و التي تعد أكثرها حساسية لأنها تخلق عند الموظف المتنمر عليه شعوراً بالإحباط ، ما يؤدي إلى ضعف الأداء و هدر الطاقات و الإمكانيات ، في ظل بيئة متوترة و قلقة نفسياً ، ليكون التنمر آفة شرهة تلتهم الأمان الوظيفي ، ليغدو الذهاب إلى مكان العمل أشبه بخوض معركة …
الأحد 28-10-2018
منال السماك
رقم العدد: 16821