في مقابلته مع الميادين – يؤكد الشاعر الكبير أدونيس – أن الشعب العربي لا يقرأ.
ويزيد على ذلك قائلاً: الكتاب عدو الجمهور العربي.. فتصور فداحة المعركة وفظاعة نتائجها.
ما قاله أدونيس ليس جديداً وكلنا نعرفه، ولكن التأكيد عليه موجع لأنه أعادنا إلى مشكلة الكتاب.. وما يعانيه الكتاب حتى يصل إلى القارئ في شرقنا الذي لا يقيم وزناً للكتاب.. ولا يعتبره من مقتنياته الأساسية.. فالفكر لا يعد ّ بالحسبان.. وحدها المادة هي المجدية في عالمنا الاستهلاكي الذي لا يعرف أن يستثمر في الدماغ، بل يستثمر في الجسد.
ولفت أدونيس إلى استمرارية الثقافة السلفية في الأجيال عبر الزمن.. فنحن نعيش في الماضي مع أننا أبناء العصر.. أبناء التكنولوجيا والأنترنت والعولمة التي ربطت العالم بعضه ببعض وحولته إلى قرية يمكن للمرء أن يجتازها من غربها إلى شرقها وهو قابع في بيته.. ولكن لم نستطع اجتياز السلفية الرابضة لنا بالمرصاد والتي تمنعنا عن الحركة إلى الأمام لنمضي إلى زماننا وعصرنا الذي يمكن لنا أن ننتج فيه وليس أن ننتج في ماضيه.
ولا أدل على كلام أدونيس وصحته، أكثر من مراجعة ما يطبع من كتب في دور النشر العربية.. وما تبيع هذه الدور من عناوين وأسماء.. إذ نجد أن معظم الكتب التي تطبع وتروج هي الكتب السلفية التي تحمل في طياتها الكثير من السيوف والسكاكين والرؤوس المقطوعة بعيداً عن الاعتبارات الزمنية والدينية وما أنزل على البشر من كتب سماوية تأمر بالنهي عن القتل والفتنة والاضطهاد.. وكأنما في عقلنا نحن العرب ساعة تمشي إلى الوراء ولا تجيد سوى النبش في الفتن والدم ونبذ الاجتهاد ومحاصرة الفكر النير والاستخفاف بالعلم والعلماء وبالأدب والأدباء الذين يطالبون بالمساواة والعدل والحرية لكل كائن حي على هذه الأرض التي تتسع للجميع.
وكما أشار أدونيس – فإن الله سبحانه وتعالى سمح لإبليس بالحوار واستمع إليه.. بينما نحن تتملكنا الآن ثقافة قتل المحاور ومحاكمة الحوار ورفضه، وعدم الاستماع للآخر الذي يطرح رأياً مخالفاً لا يتطابق مع أهوائنا.. ولا يكتفي المتطرف أو المتسلط الذي يعتبر نفسه قيماً على البشرية وعلى تقويم سلوكها كما يحلو له وكما يراه هو من وجهة نظره.. لا يكتفي هذا المحاور بالرفض.. بل يسعى بكل جهده للقتل.. للذبح.. والإنهاء تماماً.. باعتبار أن قتل الشخص هو قتل للفكرة التي تتجسد بهيئة هذا الشخص.
وإذا ما عدنا للعدو الخطير الذي هو الكتاب بالنسبة للجمهور العربي طبعاً.. فإن رفض الكتاب يعني رفض الحوار وعدم الاهتمام بما يطرحه الكتاب وصاحبه من أفكار ونظريات قد تخلخل ثبات الأفكار المهيمنة والمسيطرة.. ومن هنا تأتي خطورة الكتاب وعدم الترويج له حتى في المؤسسات الثقافية السلطوية.. لذلك نجد الكاتب أو دور النشر تطبع ألف نسخة.. وهذا كثير على شعب يعدّ بمئات الملايين من البشر.. وعلى مؤسسات هي بالأساس مرتهنة للكتاب وللفكر.. مثل وزارات الثقافة التي هي أيضاً لا تطبع أكثر من ألف نسخة من أي كتاب.. فماذا تفعل النسخ الألف أمام ملايين الأميين من القراء.. والتي لا تباع أحياناً إلا بعد سنوات عديدة؟
على الرغم من الآية الكريمة (إقرأ) وعلى الرغم من تأويلاتها ومدلولاتها الفكرية والمعرفية.
والحري أن تطبع الكتب كما الخبز.. وتوزع كما الحلوى في المدارس.. لعل كتاباً أو فكرة متنورة ما تخرج من بين أوراقه، وتخلخل الثابت والمتطرف والسلفي الذي يحفر في الجيل الجديد فيعيده إلى حرب البسوس ويؤدي به إلى ضياع هوية المواطنة التي من المفترض أن تبني الأوطان والشعوب وتصهرها في بوتقة الوطن للجميع والدين لله وحده.. فلنقرأ كي نكون أبناء عصرنا وزماننا.
أنيسة عبو
التاريخ: الأربعاء 26-12-2018
رقم العدد : 16870
السابق
التالي