على مدى سنوات الحرب الإرهابية ضد سورية، غيّرت الدول المنخرطة في الحرب الأدوات والأدوار وفقاً لتبدل الظروف والوقائع وقياساً بمبدأ الربح والخسارة، وما الانسحاب الأمريكي من سورية سوى أحد أشكال تبديل الأدوار المرتبطة بميزان النصر والهزيمة.
والمتابع للمسار السياسي ومسار التحولات في التنظيمات الإرهابية المسلحة والمنصات السياسية التي ظهرت على مدى عمر الحرب، يستطيع أن يحصي مئات التنظيمات التي تلاشت مع تلاشي فائدتها، وكذلك عشرات المنصات السياسية التي غابت مع غياب مفعولها وانتهاء صلاحيتها، فرمتها الدول المشغّلة في سلة المهملات.
ومما لا شكَّ فيه أن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب من سورية وما أثاره من تساؤلات كبيرة وشكوك أكبر حول النوايا الخفية التي تكمن خلفه، ما هو إلاّ نتاج هذا المسار، مسار الهزيمة التي مُنِيَ بها مخطط العدوان على سورية، وانتصار إرادة الصمود السورية بقيادتها وجيشها وشعبها وهو شكل من تبديل الأدوات وفقاً للواقع الجديد.
فترامب المعتاد على قطف ثمار الصفقات السهلة مع مشيخات الخليج، لم يستطع صبراً مع صمود سورية التي كسرتْ إرادته، وهو أعلن أكثر من مرة أن تكلفة بقاء قواته في سورية باهظة الثمن رغم «شيكات» الدفع الخليجية المستمرة، وآثر الخروج محاولاً إلزام مهمته لأردوغان المتورّم وهماً وغروراً.
ولا شك أيضاً، أن حلف العدوان ما زال قادراً على التخريب وإلحاق الأذى بسورية وشعبها، فهو مدَّ العديد من التنظيمات الإرهابية والميليشيات بالسلاح بأنواعه كافة بهدف إطالة أمد الحرب في سورية وعليها، وهذا أقصى ما يستطيع. فهزيمة ترامب ولا يليق بها غير هذه التسمية، دفعت جميع القوى المحلية والإقليمية والدولية إلى إعادة النظر في حساباتها اليوم، وينبغي على القوى المحلية أن تكون أول من يعيد قراءة المشهد بواقعية ووطنية بعيداً عن الوهم والتوهّم.
فقد استثمر الأمريكي في «داعش» وهُزمتْ، واستغل الميليشيات الكردية وتخلى عنها لمصلحة النظام التركي العدواني، ولا مكان للحماية اليوم سوى تحت راية الوطن التي رفعها رجال الجيش العربي السوري مدافعين عن سورية وشعبها، فخير الرجوع هو الرجوع إلى الحق وإلا فالهزيمة التي مُنِيَ بها الأمريكي وقبله «داعش»، ومن لا يتعلم الدرس اليوم يتعلمه غداً، حيث لا تراجع عن تحرير كل شبر من الأرض السورية.
عبد الرحيم أحمد
التاريخ: الأربعاء 26-12-2018
رقم العدد : 16870
السابق
التالي