الدول والكيانات والجهات التي حاربت سورية لنحو ثماني سنوات، تبحث اليوم عن سلم للنزول عن شجرة التدخل العدواني التي اعتلتها، ووضعت نفسها على أغصان أشواكها وأحقادها، ومنها من استخدم الدرجة الأولى من ذاك السلم لسحب قواته، لإدراكه أنه لن يبقى له فيها سوى الرمال التي قد تبتلع قواته، وبالتالي الموت الزؤام، ما يؤكد أن لغة سياسية وإعلامية جديدة يريد التحدث فيها، ومنها من يفكر بحجة أو ذريعة من أجل الخلاص، فيما اتخذت أخرى قراراً بإبعاد نفسها عن معترك الحرب بشكل نهائي، وذلك على وقع انتظار من سمّوا أنفسهم بالمعارضين لإنزال خُرقهم ورُقعهم البالية عن مكاتب وأماكن وطئوا فيها طوال الفترة الماضية لحياكة المؤامرات على بلادهم، وتلقّي الأوامر عن طريقة ونهج التخريب الذي سوف يستخدمونه على أراضيها.
المشروع الغربي الصهيوني التركي الأعرابي الجيوسياسي سقط، وانهارت معه أحلام مهندسي العدوانية الأميركية، وأضحت جميع الأطراف التي زجت نفسها في الحرب على سورية تطلق اعترافاتها متحدثة عن خطأ استراتيجي تم ارتكابه، لإدراكها أن استمرار السير في نفقه سوف يجلب لها المزيد من الخسائر وهو ما أقر به الرئيس الأميركي دونالد ترامب عندما قال: «التهديد أمر، والتنفيذ أمر آخر»، متوجهاً بالحديث لأعضاء إدارته في البيت الأبيض، عن أن بلاده خسرت في سورية منذ وقت طويل، ما يؤكد أن ترامب ورغم ازدواجية الشخصية والتصريحات لديه، نطق حقيقة من حيث لا يدري بأن قواته فيما لو بقيت في المناطق التي توجد فيها، سوف تلقى مقاومة شعبية إضافة لمواجهة عسكرية عاتية من الجيش العربي السوري، ويشير أيضاً أنه بات يحسب حساباً لمعارضي سياسته في الحكومة.
فأميركا حاولت لفترة طويلة تقويض المبادرات والاتفاقات الدولية والإقليمية، لحماية من تبقى من إرهابييها من دواعش ونصرة وغيرهم، بينما دارت تركيا ولا تزال في حلقة مفرغة لحيرة في أمرها، مترددة بين الانقلاب على الوعود التي قطعتها على نفسها أمام الشريكين الروسي والإيراني، وبين الاستمرار بالجنوح نحو مطامعها، وما تصبو إليه منذ بدء الحرب على سورية، في وقت يبحث الوكلاء الآخرون عن أدوار للقيام بها على مقاس قاماتهم الصغيرة ومكانتهم المتواضعة، بحجة استكمال مهمة محاربة (داعش) متلذذين بالعمل تحت الإمرة الأميركية، وإيمانويل ماكرون مثالاً.
معادلات القوة ترسم اليوم خريطة التحالفات، وتكتب جوهر تسوية الفصول النهائية، بعد أن واجهت أعتى موجة إرهاب دولي مدعومة مالياً وإقليمياً و(عربياً)، وجعلتها تضعف أمام جبروتها وقوتها وإصرارها على التحدي والمواجهة، ليكون العام الجديد ميلاد الأقوياء الذين يكتبون التاريخ بالتضحيات ودماء الشهداء، وهو ما يؤدي بالنتيجة لصحوة تنهي زمن الغطرسة والهيمنة الغربية التي تقودها أميركا ضد دول المنطقة، وتُسقط معها حكايات التفوق الإسرائيلي الوهمية.
كتب حسين صقر
التاريخ: الجمعة 4-1-2019
الرقم: 16876