رغم كل الأناقة والشياكة والأنفة العالية والعطر الفواح يستوقفك الكثير من بعض السلوك لهذا الشخص المتأنق وتلك السيدة المغرورة وذاك الشاب المتفاخر حين لا يعكسون في سلوكهم رتابة مظهرهم .
سيدة تجلس في المقعد الأول من الحافلة تواصل إشعال سيجارتها مسافة ساعة من الطريق. تضايق العديد من الركاب من نفسها الأركيلي المحلق في فضاء مخنوق..اعترض أحد الموقرين قائلا..(والله يا اختي لا يجوز ذلك..انا عامل عملية قلب مفتوح من خمسة أشهر..تكاد روحي تخرج من صدري..ولو ما في نظر عندك)وما أن ردت عليه بنظرة قاضية علا صوت إحدى السيدات الأخريات اللواتي أخذ «الكريب» من صوتها ما يكفي من تعب وبحة صوت لتقول لها معقول ما فيك تأجلي دخانك المزحوم للمكان الذي تتوجهين إليه..هذه حافلة نقل عام من الأدب ان نلتزم جميعا براحة الآخرين…
وهكذا مابين علو الأصوات همسا وجهارا ،بين متذمر ومستسلم ومتأفف كاد تصرف آخر أرعن يشعل مشكلة جديدة حين رمى احد الجالسين في نفس الحافلة زجاجة العصير الفارغة من الشباك لتجد طريقها ونحسها على شباك سيارة أجرة عابرة أحدثت خطوطا متكسرة في البلور اليميني للسائق..
جن جنون السائق وهو يصرخ توقف توقف لسائق الحافلة التي تقلنا .وباستغراب شديد توقفت الحافلة وما إن واجه صاحب سيارة الأجرة سائق الحافلة حتى قال..انت مركب معك ناس ولا…رد عليه بكل ود ليمتص غضبه ،ما القصة يا أخي لم أزعجك في الطريق ولم أكسر عليك ولم اسابقك… لم انت محتد هكذا و الشرر يتطاير من عينيك ؟
رد الآخر عليه بعبارة أنظر ما حدث لسيارتي وستعرف السبب..وما ذنبي انا في القصة ؟!قال أسأل ركابك من قام برمي زجاجة العصير الفارغة لتنال من سيارتي وتخسرني مبلغا لا بأس به حين الإصلاح . بلّ صاحب الحافلة ريقه على مضض واستغفر ربه بلا حول ولا قوة الا بالله..طالبا معرفة من قام بالفعل ..
وعلى وقع الشجار بين الفاعل المتخفي والخائف من قول الحقيقة وبين من رآه ممن يجلس بجانبه أيشير اليه ام لا..على مبدأ(اخطي..تطلع من غيري..حرام ما بيعرف)وغيرها من وصمات التبرير .كاد الفعل يحدث باشتباك الأيدي لولا وجود العقلاء .
ساعة من الجدال والمشاحنات.. غادر من غادر وبقي من بقي وتجمع من تجمع لفض الخلاف..إلا أن أحدا لم يشك الشخص الذي سبب الأذية بعدما اختطف لونه وكاد أن يغمى عليه..
تصرفات رعناء يسلكها أفراد ليبتلي فيها الجميع من الحاضرين في اي مكان يتواجدون فيه .
في الحياة ثمة آداب عامة لا تحتاج الى قوانين وإجراءات وروادع مكتوبة بالحبر ،بالتأكيد هي تحتاج للذوق العام والنظرة المتفحصة لما يجوز أو لا يجوز ..لأن الذوق يتقدم على العلم في مناح كثيرة ..
هناك أشياء مكتسبة بالفطرة تنمو مع وعي الأفراد والجماعات حسب البيئة والتربية والثقافة العامة ودرجات التطور والتقدم ..اين نخطئ وأين نصيب..كيف نشعر بالآخر ، ونتجنب ما نكرهه أو نمقته لغيرنا ونقدم ما يريحه و يريحنا ويريح الآخرين .
فلسفة الحياة تحتاج لكثير من الصبر والتأني وإيقاظ كل الطاقات الايجابية لإسعاد الآخر خاصة في ساعات الضجر والملل والمرض والغبن..أن نجبر الخواطر ولو بكلمة طيبة لتفتح دروب الأمل المتعثرة في كل الاتجاهات.
غصون سليمان
التاريخ: الأحد 6-1-2019
الرقم: 16877