بين محاولة الانسحاب من الالتزام بقرار الانسحاب، وبين محاولة تجميل التصريحات للتخفيف من حدة السجالات، ذات الصلة، الدائرة بواشنطن وخارجها، يتحرك البيت الأبيض والكونغرس والبنتاغون بحذر وتوتر شديدين، وعلى رؤوس الأصابع، على أمل أن يَبرد الصفيح الساخن الذي أَوقَدَ تحته دونالد ترامب نيران الإغلاق الجُزئي للحكومة الفدرالية داخلياً، ونيران الانسحاب من سورية – خارجياً – تاركاً لجون بولتون مهمة البحث، في تركيا والكيان الصهيوني، عن ضمان أمن وسلامة الحلفاء، حسب تعبير ترامب وبولتون!.
نتوءات سياسة ترامب التي تقود الولايات المتحدة لإغلاق حكومتها الفدرالية، ولو جزئياً، ولإعلان حالة الطوارئ المُحتملة التي يُهدد بها البيت الأبيض، قد تُؤسس لما هو أعمق من أزمة التحرك على صفيح ساخن، ربما باتجاه تَحركات قَسرية تجري على حافة الهاوية التي ستمتد تَبعاتها وآثارها باتجاه الشركاء والحلفاء، وقد ظهرت أُولى هذه المؤشرات التي لا يمكن تجاهلها مع إشاعة ترامب الأجواء المُتوترة في قمة السبع الكبار التي عُقدت في كندا أواخر العام الماضي، ومع الشروع بالحرب التجارية حتى ضد الشركاء بالقارّة العجوز!.
العواصف التي يُثيرها ترامب في كل الاتجاهات، لا شك أنها ستُطفئ ملفات، لكنها ستُشعل أخرى، وما بين البارد والساخن منها، المُشتعل منها والمُنطفئ، ربما سيُطالع العالم بيانات حادّة وأخرى لا لون لها، غير أنه بات من الثابت أن السياسات الامبريالية الأميركية تَصطدم بالحائط، وتَصل إلى الطرق المسدودة، في منطقتنا، في أوكرانيا، مع الصين وروسيا، مع شركاء الناتو، وليَبدو الجدار مع المكسيك تفصيلاً، بينما تبقى إسرائيل وأمنها الجوهر.
الأنباءُ التي تتحدث عن توغل أميركي في صحراء الأنبار لتأمين القوات الأميركية المُحتلة في سورية، وتلك التي طَفَت على سطح جولة بولتون، تؤكد ربما أنّ المتاعب آتية، والمَصاعب ماثلة، والعُقد لا تَتَمثّل فقط بما يَحلو للص أردوغان أن يُهدد به تحت عناوين ملء الفراغ وسواه من أوهام صارت من الماضي.
الأخبارُ الواردة من لندن حول تحديد موعد نهائي للتصويت على بريكست، لا تَبدو أقل قلقاً من تلك التي تُؤرق باريس، فالسترات الصفراء تتجه لدخول مُعترك السياسة من بوابة حزبية قد تَستقطب وتَسحب البساط من تحت الذين يَعتقدون أنهم أُسٌ في السلطة وأساسٌ مُتجذر في الحياة السياسية.
وسطَ هذه الأجواء الضبابية التي تلف دول معسكر العدوان على سورية، وتُهددها بدخول المجهول، استضافت طهران مُلتقى الدفاع والأمن في منطقة غرب آسيا، وسجلت وتُسجل موسكو خطوات مُتقدمة في الاتجاهات التي كان يَعتقد الغرب وأميركا أنهما أقفلاها لمصلحتهما، فيما تُواصل سورية ما بَدأته بقرار سيادي مَحض لجهة تطهير أرضها من الإرهاب التكفيري، ولناحية قَطع يد الرُّعاة والمُشغلين لميليشياته وتنظيماته، أَعجَبَ ذلك النازل عن مهمته ستيفان دي ميستورا أم لم يُعجب غير بيدرسون الصاعد للتو لتَسلّم مهامه.
كتب علي نصر الله
التاريخ: الأربعاء 9-1-2019
رقم العدد : 16880