سكين العسكرة وساطور العقوبات

تفتح الشهية الأميركية على استخدام فائض القوة الكثير من الأسئلة المؤجلة، في وقت لا تخفي فيه دول العالم مجتمعة وفرادى تململها من الهيمنة الأميركية، ومعاناتها من سطوتها وتجبّرها في سياسات تثير تذمّر القريب قبل البعيد، والحليف قبل الخصم، والصديق قبل العدو.
ورغم الانقشاعات التي ظهرت في حقب مختلفة، فإنه في عهد الإدارة الحالية، تورّم استخدام هذا الفائض إلى حدٍّ غير مسبوق، وبدأنا نشهد استطالات مرضية في سياق الاستهداف الذي دأبت عليه إدارة ترامب، حيث زاوجت بين سكين العسكرة وساطور العقوبات، وباتت تشكل خطراً محدقاً على الاستقرار العالمي، وتحديداً ما يتعلق بسياسة الضغط الدبلوماسي المكثف لانتزاع مواقف سياسية، كانت تعجز عن تحقيقها، فبالغت في التهديد بالقوة واستخدامها على نحو عدواني غير مسبوق، مع ما تتطلبه من تحشيد اقتصادي، انطوى في أغلب الأحيان على التهور المباشر في استخدام فائض القوة السياسي والاقتصادي والدبلوماسي مع فنزويلا، كما استخدمته مع سواها سابقاً والتلويح الدائم باستخدامه لاحقاً.
ولم تفسد الانقسامات والحروب البينية بين الإدارة الأميركية والكونغرس والبنتاغون ودّ التفاهم وتوازع الأدوار على نحو إضافي، حيث ما تتحرج منه إدارة البيت الأبيض، يتكفل به الكونغرس، وما يتردد فيهما الاثنان، يأخذ البنتاغون على عاتقه مهمة التنفيذ بتشكيلات وتحالفات من خارج الشرعية الدولية والقانون الدولي، مع ما تقتضيه من أدوات تنصاع للرغبة الأميركية طوعاً أو قسراً حسب الحال.
ولم تتردد أميركا في التلويح بساطور العقوبات حيال المترددين، وتركت الباب مفتوحاً على مصراعيه للإضافات القادمة من هنا وهناك، بحيث أعطى الناتج الإجمالي انزياحاً دولياً، قرأت فيه السياسة الأميركية قبولاً بالواقع الحالي، وأدرجت في السياق مجموعة من الخيارات التي قادت في أغلب الأحيان إلى استعصاء سياسي، لم يقدَّر للعقوبات تاريخياً أن تجقق مرادها ولا أن توجد مخارج للتأزم الحاصل، حيث دفعت الشعوب والدول معاً ثمناً باهظاً سياسياً وبشرياً واقتصادياً.
الفارق اليوم أن أميركا تكشف عن وجه متوحش لعقوباتها وإجراءاتها القسرية، لم يتيسر لها أن أظهرته فيما مضى، وقادت من خلاله وعبره إلى ارتكاب فظائع بحق الشعوب على مدى عقود خلت، وساهمت تلك العقوبات وساطورها في هلاك الملايين، بينما كانت النتائج السياسية متواضعة إلى حدّ أنها كادت توصل الإدارات الأميركية في مراحل متفرقة إلى اليأس من جدواها والكف عن فرضها والأمثلة كثيرة، وقابلة للتكرار في أكثر من موقع في العالم، حيث التجربة المريرة بما حملته من كوارث لم تتعظ منها أميركا، وليست بوارد ذلك.
المحاولات الجادة التي ظهرت في حقب مختلفة لمواجهة الهيمنة الأميركية والخرق الفاضح للميثاق الأممي، وانتهاك القانون الدولي، أظهرت للعيان أن مجابهة الهيمنة قرار لا مفرّ منه، وخيار لابد منه، طال الزمن أو قَصُر، لأنها كلما نالت أمراً أو حققت مراداً طالبت بالذي يليه.
يبقى الإصرار الأميركي على التمسك بالعقوبات والتكرار والاجترار في اتخاذها مطيةً لكسر إرادة الشعوب والأمم، تدفع إلى الجزم بأن رفض مظاهر هيمنتها أقل تكلفةً من قبولها، ومواجهة حالة الاستلاب التي تحاول فرضها أقل ثمناً من الخضوع لها، والسجال القائم اليوم حيال المحاولات الأميركية المحمومة لفرض إملاءاتها على الشعب الفنزويلي، ليس سوى عينة من النتائج الوخيمة للسياسة الأميركية، التي تدفع العالم إلى حافة الهاوية والعلاقات الدولية إلى أتون مواجهة، ليس بمقدور أحد التكهن بحدود ما تجرُّه وما تفتحه من سقوف في المجابهة.
بقلم رئيس التحرير علـي قـاسـم
a.ka667@yahoo.com
التاريخ: الأربعاء 30-1-2019
رقم العدد : 16897

آخر الأخبار
الرئيس الشرع يستقبل وفداً كورياً.. دمشق و سيؤل توقعان اتفاقية إقامة علاقات دبلوماسية الدفاع التركية تعلن القضاء على 18 مقاتلاً شمالي العراق وسوريا مخلفات النظام البائد تحصد المزيد من الأرواح متضررون من الألغام لـ"الثورة": تتواجد في مناطق كثيرة وال... تحمي حقوق المستثمرين وتخلق بيئة استثماريّة جاذبة.. دور الحوكمة في تحوّلنا إلى اقتصاد السّوق التّنافس... Arab News: تركيا تقلّص وجودها في شمالي سوريا Al Jazeera: لماذا تهاجم إسرائيل سوريا؟ الأمم المتحدة تدعو للتضامن العالمي مع سوريا..واشنطن تقر بمعاناة السوريين... ماذا عن عقوباتها الظالمة... دراسة متكاملة لإعادة جبل قاسيون متنفساً لدمشق " الخوذ البيضاء" لـ "الثورة: نعمل على الحد من مخاطر الألغام ما بين إجراءات انتقامية ودعوات للتفاوض.. العالم يرد على سياسات ترامب التجارية "دمج الوزارات تحت مظلّة الطاقة".. خطوة نحو تكامل مؤسسي وتحسين جودة الخدمات بينها سوريا.. الإدارة الأميركية تستأنف أنشطة "الأغذية العالمي" لعدة دول The NewArab: إسرائيل تحرم مئات الأطفال من التعليم الشعير المستنبت خلال 9 أيام.. مشروع زراعي واعد يطلقه المهندس البكر في ريف إدلب برونزية لأليسار محمد في ألعاب القوى استجابة لمزارعي طرطوس.. خطّة سقاية صيفيّة إيكونوميست: إسرائيل تسعى لإضعاف وتقسيم سوريا المجاعة تتفاقم في غزة.. والأمم المتحدة ترفض آلية الاحتلال لتقديم المساعدات أردوغان يجدد دعم بلاده لسوريا بهدف إرساء الاستقرار فيها خطوة "الخارجية" بداية لمرحلة تعافي الدبلوماسية السورية